السياحة في الأقصر (تجربتي بإيجاز)

حين اخترت مدينة الأقصر للسياحة، كنت مدفوعة بتأثير الأصدقاء الذين سبقوني لزيارتها، والذين كانوا قد أخبروني بأن لها سحراً خاصاً وفرادة وطابعاً نوبياً يختلف قليلا عن باقي المدن المصرية. أول ما نصحوني به أن أحجز تذكرتي على متن طيران اقتصاي وفعلت. وكانت بحقّ بداية جيدة للرحلة السياحية التي امتدت على مدى ثلاثة أيام؛ إذ في وقت كانت أسعارها فيه في المتناول فإن الخدمات التي قدموها ونحن محلقين في الجو كانت على سوية عالية.

أول ما قصدته في الأقصر كانت الفلوكات العائمة في مياه النيل، على ضفاف الموج الهادئ كانت البيوت الطينية البسيطة موزعة بعفوية، والأعشاب الطويلة والمساحات الخضراء تمتد على طول ناظرك. أوصلتني الفلوكات من ضفة لأخرى، ولشدة ما ابتسمت الطفلات السمراوات مضيت معهن نحو بيتهن المحاذي للماء. كان المكان أقرب للحوش الشعبي المفتوح الفضاءات. المكان يعجّ بالطيور الداجنة وبرائحة الخبز والحناء. الأهالي تجمعوا لرؤية السياح الذين أتوا زائرين لذلك البيت. كانوا على درجة رفيعة من البساطة والطيبة والكرم. شربت الشاي هناك على طريقتهم ومن ثم مضيت سريعاً للحاق بمعبد الأقصر، الذي استهليت زيارتي به هو الآخر لشدة ما أدهشتني صوره لدى الأصدقاء.

ليس غريباً أن تجد الإرث الفرعوني زخماً هناك؛ ذلك أن الأقصر كانت عاصمة الفراعنة سابقاً. يضم المكان ضريح الملك رمسيس الثاني، لذا كانت انتصاراته منقوشة في كل ركن. المساحات كلها تمتلئ بالأعمدة والمجسمات الضخمة. شارف النهار على الأفول وأنا لمّا أزال في محيط المكان، لذا كانت لي حظوة رؤية الأعمدة والحجارة الشديدة الضخامة مضاءة باللون الذهبي، ما أضفي عليها جمالا مضاعفاً عن ذاك الذي كان ماثلاُ أمامي في النهار.

كان مبيتي في فندق الشيراتون. وكان اختياراً جيداً بحسب من سبقوني من أصدقاء، وبات كذلك بالنسبة لي. المكان كان وفياً لمكونات البيئة ولم يشذّ عنها: النخيل والألوان والطابع العام.

في اليوم الذي يليه مضيت نحو متحف الأقصر الذي يطل على الكورنيش. لربما أُصبت بالتخمة لشدة غنى المكان بالآثار الفرعونية النادرة من رؤوس وحليّ وغيرها من متعلقات موثقة للزائر. تناولت غدائي في مطعم ماكدونلدز، سريعاُ، والذي يعد وغيره من مطاعم التوكيلات الأجنبية متوافراً بكثرة في الأقصر برغم الطابع الفلكلوري والتاريخي المهيمن على المكان، ومن ثم قصدت معبد الكرنك الذي نصحني الأصدقاء بزيارته في المساء؛ لمشاهدة عروض الصوت والضوء التي يمتاز بها. عملية تتبع النقوشات على الجدران والأعمدة الضخمة تستنزف منك ساعات، لكنك لن تشعر بمرورها وأنت بين جنبات المكان.

في اليوم الثالث من زيارتي للأقصر، مضيت نحو وادي الملوك، الذي تضفي عليه صبغة الموت والمقابر الفرعونية مهابة خاصة. المكان مقفر من حيث المساحات الخضراء لكنه غني للغاية بثيمات التاريخ التي يتولى الدليل السياحي الشرح عنها. لن تخطئ عينك النظر حين تجد عددا مهولاً من الدارسين وعلماء الآثار الذين يجوبون المقابر التي تربو على المائة، ممسكين بأيديهم بأوراق وأقلام ومناظير متخصصة، وإن كانت التعليمات بهذا الشأن صارمة قليلا من حيث ضبط عدد الزوار الداخلين للمقابر ومنع استخدام آلات التصوير والحرص على عدم فتح المقابر كلها للزائرين دفعة واحدة.

الرحلة إلى مصر في السابق كانت تجمع بين الاستمتاع بالطبيعة الجغرافية والتاريخية للمكان، إلى جانب خفة ظل الشعب المصري ورحابة صدره في استقبال الضيوف، بيد أن الرحلة إلى الأقصر وأسوان اكتسبت عمقاً أكبر بكثير من مجرد زيارة القاهرة والإسكندرية وشرم الشيخ والغردقة. أن تزور هذه المنطقة تحديداً يعني أن تفهم فصلاً طويلاً من الحكاية الفرعونية.

 


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد