السعودية تسرع وتيرة استغلال ثرواتها المعدنية: إصدار رخص جديدة يؤكد دور التعدين كركيزة ثالثة نحو اقتصاد متنوع ومستدام

في تأكيد جديد على التزامها الراسخ بتنويع اقتصادها بعيدًا عن الاعتماد التقليدي على النفط، تواصل المملكة العربية السعودية دفع عجلة تطوير قطاع التعدين بخطى متسارعة، حيث أعلنت وزارة الصناعة والثروة المعدنية عن إصدار 13 رخصة تعدينية جديدة خلال شهر فبراير من عام 2025. تأتي هذه الخطوة كجزء من جهد وطني منظم ومستمر يهدف إلى تعظيم القيمة الاقتصادية من الموارد المعدنية الهائلة التي تزخر بها أراضي المملكة، والتي تقدر قيمتها حاليًا بنحو 9.3 تريليون ريال سعودي (حوالي 2.5 تريليون دولار أمريكي)، موزعة على أكثر من 5,300 موقع مكتشف. وتعد هذه الجهود حجر الزاوية في تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030 الطموحة، التي تضع قطاع التعدين كثالث ركائز الصناعة الوطنية، إلى جانب قطاعي النفط والغاز والبتروكيماويات الراسخين.

شملت الرخص الجديدة التي تم إصدارها في فبراير مجموعة متنوعة من الأنشطة التعدينية، حيث تم منح 6 رخص لمحاجر مواد البناء، وهو ما يعكس استمرار النشاط القوي في قطاع الإنشاءات والبنية التحتية بالمملكة، بالإضافة إلى 5 رخص للاستكشاف، مما يشير إلى التركيز المتواصل على اكتشاف مكامن معدنية جديدة، ورخصتين أخريين لم يتم تحديد نوعهما بدقة في التقارير الأولية. ويندرج إصدار هذه الرخص ضمن إطار تنظيمي وقانوني متكامل يهدف إلى تشجيع وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية النوعية إلى هذا القطاع الواعد. ويحدد نظام الاستثمار التعديني السعودي، الذي تم تحديثه ليكون أكثر تحفيزًا للمستثمرين، عدة أنواع من الرخص تشمل رخص الاستطلاع، والكشف (الاستكشاف)، والتعدين (بما في ذلك المناجم الصغيرة)، واستغلال محاجر مواد البناء، بالإضافة إلى رخص خاصة لمعالجة فائض الخامات المعدنية في مواقع المشاريع وأخرى للأغراض العامة المرتبطة بالأنشطة التعدينية.

السعودية تبرز كقوة تعدين عالمية عبر شراكات دولية طموحة

تُعد هذه التطورات جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية وطنية شاملة لتنمية قطاع التعدين، تم تضمينها في رؤية 2030 وبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية (NIDLP). تهدف هذه الاستراتيجية بعيدة المدى إلى تحقيق عدة أهداف طموحة، منها تعظيم القيمة المتحققة من الموارد المعدنية من خلال تطوير الصناعات التحويلية المرتبطة بها، ورفع نسبة المحتوى المحلي في سلاسل القيمة التعدينية، وزيادة مساهمة القطاع بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي، وجذب استثمارات نوعية، وتوفير فرص عمل جديدة للمواطنين. 

ولتحقيق هذه الأهداف، قامت المملكة بتنفيذ إصلاحات هيكلية وجوهرية في البيئة الاستثمارية للقطاع، شملت إصدار نظام استثمار تعديني جديد يعتبر من بين الأكثر تنافسية عالميًا، وتخفيض نسبة الضريبة على الدخل للمستثمرين في القطاع، وإنشاء وحدة متخصصة داخل وزارة الصناعة والثروة المعدنية لتعزيز الاستثمار وتسهيل إجراءاته وتقديم الدعم للمستثمرين المحتملين.

بدأت هذه الجهود المكثفة تؤتي ثمارها بشكل واضح وملموس على أرض الواقع. فقد ارتفع التقدير الرسمي لقيمة الثروات المعدنية الكامنة غير المستغلة في المملكة بشكل كبير، من 5 تريليونات ريال في عام 2016 إلى 9.3 تريليون ريال حاليًا، وهو ما يعكس تكثيف أعمال المسح والاستكشاف. كما شهد الإنفاق على أعمال الاستكشاف والتنقيب نموًا ملحوظًا بنسبة 32%، مدفوعًا بشكل متزايد باستثمارات من القطاع الخاص المحلي والدولي. 

وتضاعف عدد المواقع المطروحة للاستكشاف بشكل كبير، حيث قفز من 6 مواقع فقط في عام 2023 إلى 33 موقعًا تنافسيًا في عام 2024. وارتفع عدد الشركات العاملة والمتخصصة في مجال التنقيب بشكل كبير من 6 شركات فقط في عام 2020 إلى 133 شركة في عام 2023. وقد حازت المملكة على تقدير دولي لهذه الإصلاحات، حيث صُنفت كأسرع دولة تقدمًا على مستوى العالم في تطوير البيئة الاستثمارية في قطاع التعدين بين عامي 2018 و2023، وجاءت في المرتبة الثانية عالميًا في مؤشر سهولة منح الرخص التعدينية، مما يعزز جاذبيتها للمستثمرين الدوليين.

تتزامن هذه التطورات التنظيمية والاستثمارية مع إعلانات متوالية عن اكتشافات معدنية واعدة، مما يؤكد الإمكانات الجيولوجية الهائلة وغير المستغلة للمملكة. وتشمل الاكتشافات الحديثة التي أعلنت عنها هيئة المساحة الجيولوجية السعودية وشركة التعدين العربية السعودية “معادن”، وجود كميات مبشرة من الذهب والنحاس في منطقة المضيق ووادي الفرع بمنطقة المدينة المنورة، وتقاطعات متعددة للذهب والنحاس بدرجات قابلة للاستخراج التجاري في منطقة شيبان شمال غرب المملكة. 

السعودية تصدر 23 رخصة تعدينية جديدة خلال يناير الماضي

وتضاف هذه الاكتشافات إلى المخزون الغني والمتنوع من المعادن المعروفة في المملكة، والتي تشمل الذهب، الفضة، النحاس، الزنك، الرصاص، البوكسيت (أساس صناعة الألمنيوم)، الفوسفات (أساس صناعة الأسمدة)، خام الحديد، النيكل، الكروم، التيتانيوم، القصدير، التنجستن، بالإضافة إلى معادن استراتيجية ذات أهمية متزايدة في صناعات المستقبل مثل الليثيوم، والعناصر الأرضية النادرة، واليورانيوم. وتلعب هيئة المساحة الجيولوجية دورًا محوريًا في هذه الجهود من خلال تنفيذ برامج المسح الجيولوجي الإقليمي، والتنقيب التفصيلي، وإصدار الخرائط الجيولوجية والجيوفيزيائية والجيوكيميائية المتخصصة التي تحدد مواقع التمعدن المحتملة وتوفر البيانات الأساسية للمستثمرين.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد


جميع المحتويات المنشورة على موقع نجوم مصرية تمثل آراء المؤلفين فقط ولا تعكس بأي شكل من الأشكال آراء شركة نجوم مصرية® لإدارة المحتوى الإلكتروني، يجوز إعادة إنتاج هذه المواد أو نشرها أو توزيعها أو ترجمتها شرط الإشارة المرجعية، بموجب رخصة المشاع الإبداعي 4.0 الدولية. حقوق النشر © 2009-2025 لشركة نجوم مصرية®،جميع الحقوق محفوظة.