إبداع سعودي بنكهة التراث: جيل جديد من المصممين يعيد صياغة الهوية الثقافية في عالم الأزياء والمجوهرات

 يشهد المشهد الثقافي والإبداعي في المملكة العربية السعودية حراكًا لافتًا، يقوده جيل شاب من المصممين والمصممات الذين يتخذون من التراث الثقافي الغني والمتنوع للمملكة مصدر إلهام رئيسي لأعمالهم المعاصرة في مجالات الأزياء والمجوهرات وغيرها من الصناعات الإبداعية. وتبرز مناطق ذات عمق تاريخي وثقافي فريد، مثل واحة العلا بشمال غرب المملكة وآثارها النبطية القديمة، وواحة الأحساء بشرق البلاد ونخيلها وحرفها التقليدية العريقة، كمنابع ثرية تستقي منها هذه الموجة الجديدة من التصاميم أفكارها وعناصرها الجمالية. 

تتعدد الأمثلة الحية على هذا الحراك الإبداعي الذي يقوده الشباب السعودي بشغف وابتكار. ففي العلا، تعمل شابة سعودية طموحة على إعادة تصميم الملابس التقليدية بلمسات عصرية تستلهم من النقوش الصخرية المنتشرة في المنطقة والقصص التاريخية التي ترويها جبالها وصحاريها. وفي الأحساء، المعروفة بأنها أكبر واحة نخيل في العالم والمدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، يستوحي مصمم مجوهرات شاب تصاميم معاصرة وفريدة من “البشت الحساوي” الشهير بدقة تطريزه وجودة صناعته، محولًا هذا الرمز التقليدي للوجاهة والأناقة الرجالية إلى قطع فنية قابلة للارتداء من قبل الجنسين. 

ولم يقتصر هذا التوجه على مناطق محددة، بل شمل مختلف أنحاء المملكة، حيث تألق مصممون ومصممات في فعاليات وطنية ودولية بارزة، مثل “كأس السعودية” لسباقات الخيل، الذي أصبح منصة مهمة لعرض الأزياء السعودية المستوحاة من التراث. في هذه الفعالية، شاهدنا إطلالات رائعة مستوحاة من التراث النجدي (مثل ثوب المنيخل بزخارفه المميزة) والحجازي (بألوانه وقصاته التقليدية) وغيرها من مناطق المملكة. 

في يوم التأسيس.. مصممة تبدع في نقل التراث السعودي إلى المجوهرات

ومن أبرز الأسماء التي لمعت في هذا السياق المصممة السعودية العالمية هنيدة صيرفي، ورائدة الأعمال والشخصية المؤثرة نجود الرميحي التي دعمت مصممات سعوديات واعدات مثل نور الظاهري وأضوى عدنان أكبر بارتداء تصاميمهن، والفاشنيستا لما العقيل التي اختارت تصميمًا لافتًا من علامة “لوديانا” للمصممتين الشقيقتين عبير وخلود الحقباني.

وتوجت مسابقة “إحياء الحرف اليدوية في الأزياء السعودية”، التي نظمتها هيئة الأزياء السعودية مؤخرًا، ثلاث فائزات قدمن تصاميم مبتكرة تجسد هذا الدمج الخلاق بين التراث والحداثة، وتبرز جماليات الحرف اليدوية السعودية. فالمصممة رند السيف، الفائزة بالمركز الأول، قدمت تصميمًا بعنوان “رحلة امرأة” مستوحى من بادية الحجاز وتهامة يعبر عن تطور دور المرأة السعودية عبر الزمن مع الحفاظ على جذورها. وفازت مها القحطاني بالمركز الثاني عن تصميم بعنوان “سدرة نجد” مستلهم من شجرة السدر النجدية وما تمثله من قوة وعطاء وأصالة. أما المركز الثالث فكان من نصيب غيداء مجدلي التي استلهمت تصميمها “عروس شبه الجزيرة العربية” من القصص التاريخية للمنطقة والملابس التقليدية للعرائس. كما تبرز قصص نجاح أخرى لشباب سعوديين في مجالات إبداعية مرتبطة، مثل آلاء عوض التي تميزت في مجال التصميم الجرافيكي المستلهم من الثقافة المحلية، ومريم موصلي في مجال استشارات الأزياء الفاخرة وإصدار كتاب “تحت العباءة” الذي يحتفي بتنوع وقوة وأناقة المرأة السعودية المعاصرة.

كما أن بزوغ هذا الجيل من المصممين الشباب الذين يعيدون تفسير التراث بجرأة وإبداع، لا بمعزل عن سياقه التاريخي ولكن برؤية معاصرة، يعكس ديناميكية ثقافية واجتماعية أوسع يقودها الشباب في المملكة. ويتماشى هذا الحراك تمامًا مع أهداف رؤية 2030 التي تركز بشكل كبير على تعزيز الهوية الوطنية والفخر بالتراث الثقافي، وتنمية قطاع الفنون والثقافة ليصبح رافدًا اقتصاديًا حيويًا، وتمكين المواهب الشابة ومنحها الفرص لإطلاق إمكاناتها. إن هذا التفاعل الإيجابي بين الإبداع الفردي والدعم المؤسسي المنظم يخلق بيئة خصبة لنمو الصناعات الإبداعية في المملكة، ويساهم في تشكيل مشهد ثقافي أكثر حيوية وتنوعًا وانفتاحًا، ويعيد تعريف صورة الهوية السعودية المعاصرة على الساحتين المحلية والدولية بطريقة جذابة ومبتكرة.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد


جميع المحتويات المنشورة على موقع نجوم مصرية تمثل آراء المؤلفين فقط ولا تعكس بأي شكل من الأشكال آراء شركة نجوم مصرية® لإدارة المحتوى الإلكتروني، يجوز إعادة إنتاج هذه المواد أو نشرها أو توزيعها أو ترجمتها شرط الإشارة المرجعية، بموجب رخصة المشاع الإبداعي 4.0 الدولية. حقوق النشر © 2009-2025 لشركة نجوم مصرية®،جميع الحقوق محفوظة.