الشباب بين نار الحلال وفتن الحرام

يتعرض الشاب المصري المقبل على الزواج لضغوط كثيرة جداً تفوق قدرة أي شاب على الاحتمال وخاصة في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار في الفترة الأخيرة، ويصبح الشاب الملتزم الباحث عن الحلال والساعي لتكوين أسرة بما يرضي الله بين طرفي مقصلة كبيرة طرفها الأول ارتفاع الأسعار وطرفها الثاني مبالغة أهل العروسة في متطلباتهم، سنحاول في هذا المقال تسليط الضوء على هذه المعاناة التي يعانيها الشباب في مصر، راجين من المولي عزوجل التوفيق والسداد.

  • البحث عن وظيفة مناسبة:

يبدأ الشاب المصري حياته بعد مرحلة انتهاء الدراسة في البحث عن وظيفة مناسبة لمؤهلاته ولمتطلباته في الحياة كي تساعده على تحقيق أحلامه الكبيرة والكثيرة، ويبدأ رحلة البحث بأمل كبير وحماس شديد ولكن معظمهم يصطدم بسوق العمل واختلاف متطلبات سوق العمل عن مؤهلاته الدراسية ويظل يبحث هنا وهناك حتى يدب اليأس إلى قلبه وتنخفض معنوياته ويصطدم بالواقع المرير ويجد الضغوط تحاصره من كل ناحية فأهله يضغطون عليه ليعمل أي عمل يساعد به نفسه أولاً ويساعدهم في تخفيف ضغط مصاريف المعيشة عليهم ومصاريف أخوته الأصغر سناً الذين مازالوا في مرحلة التعليم، وهنا يبدأ البحث عن أي فرصة عمل بأي راتب وفي أي مكان وتبدأ رحلة التنازل عن أحلامه الوردية، ويظل يبحث بين المعارف والأصدقاء وعبر الجرائد والانترنت عن أي فرصة عمل تاركاً شهادته الجامعية معلقة على جدار غرفته، وأخيراً يضطر أن يعمل بأحد المطاعم أو يعمل سائق خاص أو سائق بإحدى الشركات أو حتى بائع في محل تجاري أو يتنقل بين هذه وتلك أحياناُ.

  • البحث عن الشقة:

بعدما تنتهي رحلة البحث عن الوظيفة أو فرصة العمل، تبدأ رحلة جديدة في حياة الشاب المصري أشد صعوبة من الرحلة الأولى وهي رحلة البحث عن شقة الزوجية وهي الرحلة الأشد صعوبة والأكثر تكلفة، والتي يعاني منها الشباب بشدة نظراً لارتفاع أسعار العقارات بصورة جنونية ويجد الشاب نفسه بين طرفي مقصلة جديدة طرفها الأول ارتفاع أسعار الشقق وطرفها الثاني قلة المبلغ الموجود معه والذي نجح في ادخاره بعد مشقة وتعب سنوات طويلة في العمل، وفي هذه الحالة تتوقف حياة الشاب مرة أخرى وتقف أنفاسه حائرة باحثة عن حلول فلا يجد فيقرر صرف النظر عن الزواج، وتمضية حياته بين المقاهي مع أصدقائه الذين تشابهت ظروفهم مع ظروفه ودب اليأس إلى قلوبهم، ولكن دعونا نتفائل قليلاً ونكمل الرحلة مع شاب أخر نجح في الحصول على شقة بمساعدة أهله أو ربما كان سعيد الحظ وحصل على وظيفة مناسبة براتب عالي وقام بشراء عش الزوجية المستقبلي.

  • البحث عن عروسة:

تبدأ رحلة جديدة في حياة الشاب المصري وهي رحلة البحث عن شريكة الحياة وزوجة المستقبل، العروسة المنتظرة وبعد رحلة طويلة من البحث عن فتاة أحلامه وفقاً للمواصفات التي رسمها في مخيلته وبعد الاستعانة بالأهل والأصدقاء والمعارف في البحث عن كاملة الأوصاف (فتاة أحلامه)، ينجح أخيراً في خطبة إحداهن وتبدأ بعدها رحلة جديدة في حياة الشاب المصري.

  • مراسم الخطوبة:

يصطحب الشاب المصري أهله لخطبة الفتاة التي اختارها وهو في غاية السعادة والفرح، وبعد أن يجتمع الأهل سوياً في حضور العروسين وبعد أن تنتهي وصلات الغزل والمجاملات والجمل التقليدية المعروفة (أنا بشتري راجل… الخ)، يبدأ أهل العروسة في سرد قائمة متطلباتهم من حيث الشبكة والمهر والعفش وخلافه، وفي هذه اللحظة يجد الشاب نفسه أمام صدمة جديدة وأمام متطلبات مبالغ فيها من أهل العروسة، ويجد نفسه مطالباً بشراء شبكة ذهبية لا تقل قيمتها عن خمسون ألفاً أسوة ببنت خالتها أو بنت عمتها أو صديقاتها، ولا أعلم سبب هذه المقارنة الظالمة بين الشباب فلكل شاب ظروفه الخاصة، ولما هذا التشدد في قيمة الشبكة ووضع حد أدنى لها مقارنة بغيرها وكأنما أصبح الذهب هو معيار السعادة الزوجية، وأخيراً وبعد شد وجذب وصولات وجولات ينجح أحد الوسطاء في تقريب وجهات النظر ويضطر الشاب إلى تلبية متطلبات أهل العروسة، لتبدأ بعدها رحلة جديدة أصعب من كل الرحلات السابقة.

  • تجهيز عش الزوجية:

بعد انتهاء مراسم الخطوبة، يبدأ الشريكان معاً رحلة البحث عن تجهيز مكونات عش الزوجية وبعد التنقل بين معارض الموبيليا ومعارض الأجهزة الكهربائية ومعارض الأقمشة والستائر والمفروشات، يُصدم الشريكان معاً هذه المرة من ارتفاع الأسعار ومن كثرة متطلبات عش الزوجية ومن المبالغ المطلوبة منهما، قد يجد أحدهما المساعدة والدعم من الأهل والأقارب وهذا غالباً الذي يحدث، وقد يتعثر أحدهم نتيجة لظروفه المادية البسيطة ويضطر إلى الاقتراض أو تجهيز الشقة بالتقسيط ويبدأ حياته مديناً بمبالغ كبيرة.

  • مراسم الزفاف:

بعد الانتهاء من تجهيز عش الزوجية وبعد تحديد موعد الفرح، تبدأ معاناة جديدة في حياة الشاب المصري وهي متطلبات حفل الزفاف بداية من حجز القاعة والمبلغ المدفوع فيها ومصاريف الكوافير وفستان الفرح وخلافه، ولا أعلم سر التمسك بهذه المظاهر الفارغة وخاصة للشباب المصري المكافح الذي يبدأ حياته بضغوط كثيرة تفوق قدرته على الاحتمال ومتطلبات أكبر من إمكانياته المادية، ألم نتعلم شيئاً من درس (كورونا) تزوج الشباب في هذه الفترة بدون حفلات وبدون قاعات وبدون مظاهر خادعة وعدنا إلى الفطرة وإلى تعاليم الإسلام، ومع ذلك استمرت الحياة ولم تقف ولم تنقص فرحتهم بذلك (ففرحة العريس عروسه).

  • فتن مجانية:

في الوقت الذي يعاني فيه الشباب المصري كثيراً في رحلة البحث عن الحلال والسعي إلى الزواج بالرغم من متطلباته المادية العالية وتكاليفه الباهظة، نجد فتناً كثيرة تحيط بالشباب من كل اتجاه، قد لا يسعى هو إليها ولكن يجدها بين يديه مجاناً، ومن هذه الفتن على سبيل المثال لا الحصر (الانترنت والمواقع الإباحية)، مواقع التواصل الاجتماعي والشات بين الجنسين، الاختلاط بين الجنسين في العمل وفي المواصلات وفي الشارع، بائعات الهوى وراغبات المتعة الحرام والكسب السريع، قنوات فضائية إباحية، مشاهد إغراء وعري في الأفلام والمسلسلات العربية والأجنبية، نساء كاسيات عاريات في الشوارع والطرقات، مما يجد الشاب نفسه بين نار الحلال وغلو ثمنه الذي لا يقدر عليه وبين سهولة الحرام وفتنه المجانية ووساوس شياطين الإنس والجن وأصدقاء السوء، وهذه الفتن عظيمة وكبيرة يضعف أمامها الكثير من الشباب إلا من رحم ربي.

  • الهدف من المقال:

الهدف من هذا المقال هو الإشارة إلى العادات والتقاليد الخاطئة الموجودة في مجتمعنا المصري ومن أهمها المبالغة في متطلبات الزواج، وحث المجتمع على التخلص منها ومن كل المظاهر الفارغة والتي ليس لها أي جدوى سوي التباهي والتفاخر بين الناس.

كل هذه المظاهر التي سردتها في هذا المقال هي التي تضع ضغطاً كبيراً على الشباب المصري وأكبر دليل على ذلك ارتفاع نسبة العنوسة بين البنات وعزوف كثيرُ من الشباب عن الزواج هرباً من هذا العبء المادي الثقيل، فكثير من الشباب الذين تخطوا سن الثلاثين بدون زواج إذا سألتهم لماذا لم تتزوج حتى الآن يجيبك قائلاً من أين لي بثمن الشقة التي سأتزوج فيها ومن أين لي ثمن الشبكة والعفش ومصاريف الفرح، حتى تقول في نفسك ليتني لم اسأله، ليته سكت.

كل هذه المعاناة التي يعانيها الشاب المصري نحن سبب رئيسي فيها بسبب تمسكنا بعادات وتقاليد لم ينص عليها شرع أو دين، وكلنا مشاركون بنسبة كبيرة في معاناة أبنائنا وبناتنا بتمسكنا بمظاهر (مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ).

  • دعوة إلى مساعدة الشباب:

أدعوكم جميعاً إلى التكاتف معاً من أجل مساعدة الشباب المصري المقبل على الزواج بالاستغناء عن بعض المتطلبات الغير ضرورية في الزواج والاكتفاء بالضروري فقط وخفض قيمة هذه التكاليف قدر المستطاع تيسيراً على شبابنا وبناتنا، فكلما يسرنا لشاباً الزواج سترنا بنتاً من بناتناً، وكلما يسرنا للشباب الحلال كلما أغلقنا عليهم باباً من أبواب الحرام وأنقذناهم من الوقوع في المحرمات.

واختم مقالي بقول الله سبحانه وتعالى {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} صدق الله العظيم.

بقلم/ مدحت الصباغ


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد