الثقوب الدودية في الروايات الفصل الثاني

. بقلم/ اكرم القرشي

الثقوب الدودية ظاهرة كونية فريده.. ودراسات العلما تقول ان ثقبا دوديا يستطيع أن يشوه الزمان مكان بشكل عجيب جداً ويختصرها العلماء مطلقين كلمة (الزمكان) ومن خلاله تستطيع أخذ طريق مختصرة من مجرة إلى أخرى ومن مكان إلى آخر وتسطيع السفر عبر الزمن من خلاله بحيث تقفز إلى المستقبل أو تعود إلى الماضي، وهذه الظاهره يطلق عليها العلما ظاهرة الثقب الدودي وتشوه الزمكان
وموضوعنا هنا هو العودة إلى الماضي حيث ان الثقب الدودي له هذه الخاصية بحيث يعود بك إلى الماضي .تذكرت هذه الظاهرة اثنا قرائتي للروايات الضخمة ووجدت أن الثقب الدودي تجده ايضا في بطون الكتب، بالتحديد تجد تلك الثقوب في الروايات الضخمة للادباء العباقرة أمثال الكونت لوف تلوستوي، دوستويفسكي ..فيكتور هوجو ..تشارلز ديكينز .وامثالهم من عباقرة الأدب ..ومثال ذلك اني أول مره استشعر اني بدأت أعود إلى الماضي وانسلخ بشكل ملحوظ عن واقعي، عندما قرأة أول رواية ضخمة وكانت للكاتب العملاق لوف تلستوي، رواية الحرب والسلم وبينما أنا اقرأ رويدا رويدا ثم بدأت وتيرة قرائتي تتسارع ممعنا فيها مستغرق في القراءة، مستمتعا فيها كلما تعمقت أكثر وأكثر، فنطلق العنان وجنح الخيال فكأني في فضاء واسع رحيب منداح الافق
والجمال تراه هنا وهناك ترى مصابيح ماسية مشعة تكاد تنفجر من شدة لمعانها المزهر. . وهنا لمست ذاك التحول واذا بثقب دودي يلوح لي في الافق فانجذبت إليه وهناك كان التحول الكلي والخروج عن الواقع بشكل كامل واحدثت تلك الجولة في الثقب تشوه الزمكان لارى نفسي بين عقدين من القرن التاسع عشر اعيش الأحداث التي سطرت في الروايه وكانت هذه الجولة شديدة الوطء على كياني لدرجة اني هممت كيف السبيل للعودة وانا لم احترز ولم اتهيئ لتلك الرحلة لم اكن اتوقع حدوث أمر غريب بأن كان يجب على ان أكون على أهبة الاستعداد لرحلة العودة إلى الماضي، لم اكن أمتلك تذكرة السفر ولا بطاقة للعودة، وعشت العقد الأول والثاني في ارض امبراطورية روسيا العظمى في القرن التاسع عشر.

وشهدت الحملة التي شنها نابليون على الارض الروسية وكانت ملحمة كبرى وصمود أسطوري للدب الروسي بعد ان كان شبه منهار أمام ضغط الجيش الفرنسي، لازلتوا اتذكر صليل السيوف وهدير المدافع وقدوح حوافر الخيول ورائحة البارود
لازالت ضياء النيران في الليل المظلم في مخيلتي
حيث كان المنظر رهيب وانا أرى إلى موسكو في الليلة الاولى من دخول الجيش الفرنسي وكيف اشتعلت منازلها الخشبية، لازلت كأني أرى الآن ضيا تلك الليلة وذلك نتيجة عظم الحرائق التي اشتعلت في مدينة موسكو، لازلت اتذكر خلو المدينة من البشر وإصرار نابليون الذي كان يمني النفس أن يخطب في اهل موسكو كما فعل في مصر لكن لم يتأتى له ذلك ولازلت اتستشعر حيرة تلك الفئه من الدائرة المحيطة من نابليون وكان قد عهد إليهم أن يأتوا بالشخصيات العامة لمدينة موسكو ِمن رجال الدين والأمراء والتجار وأهل الصناعة والثقافة وكبارالحرفيين، لقد كنت مرافقا لنابليون في جميع تحركاته وكم كانت رغبة نابليون أن يخطب خطبة رنانة في مسامعهم وتتخلد له تلك الخطبة في التاريخ لكن كل هذا لم يتحقق لسبب واحد أن موسكو كانت شبه فارغة وكانت الفئة التي عهدت إليها تلك المهمة قلقة جزله حائرة خائفة أن تواجه نابليون بالحقيقة لكن لامناص للكتمان وكان الوقت حرج جداً حيث أن رجال نابليون قد فتشوا من قبل جميع قصور المدينة واتخذوا من افخم قصورها محل اقامة لنابليون، وكان أعجبابه شديد لهذا القصر حيث أن القصر كان يحوي على صالة كبيره، تتناسب مع ما كان قد عزم له من إلقاء خطبته التاريخية، وكان نابليون قد تهيئ وتزين بافخم زينته منتظرا الناس التي ستفد إليه وبينما هو يذرع الصالة ذهابا وايابا جاء إليه احد المقربين وهو مكفهر الوجه ليقول له إن الفئة التي كلفت بالمهمة قد عادت منكسة الرأس تقول لسيادتكم ان موسكو فارغة وقد هاجر جميع من طلبت ولم يتبقى فيها غير السكييرين وقله قليله من اراذل الناس فشطت غضبا واستبد به الغيض وصاح بأعلى صوته،. تلك اللحضات عشتها وكأني أراها الآن واعتذر للقارىء الكريم اني اسهبت في التفاصيل لكن هذا مشهد من بين مئات المشاهد المثيره.

ومن اللحضات الحساسة التي عشتها ايضا موقف
الجنرال كيتزوف وكان يشغل منصب القائد الأعلى المخول لكل الصلاحيات بإتخاد اي قرار وكان له رأيا يتعلق بمصير سير المعركة، بينما كان كبار الظباط والقادة جنبا لجنب مع الإمبراطور كانو لهم رأي آخر، لكن إرادة الله عز وجل كانت نافذة في رأي ذاك القائد الهرم الخرف بنظر من خالفوه وقائد حكيم بنظر التاريخ، وكل الناس ادركت فيما بعد رجاحة عقله وفطنته حيث كانت لخطته الحكيمة الفضل بعد الله لإنقاذ روسيا من هلاك مؤكد، محققا بذلك نصرا مؤزرا مرغما نابليون وجيشه العملاق على التقهقر والانهيار موليين الادبار، وكانت هذه صفعة روسيه لنابليون وكانت هذه بداية النهاية لأسطورة فرنسا ومكتسح اوروبا بونابارت نابليون، كما اني شاركت جميع الروس الذين سطروا في الروايه لأعيش احتفلاتهم في قصورهم وبهواتهم رأيتهم يفرغون الشمبانيا، وهم في نشوة السكر، تنقلت معهم من مدينة لأخرى، أشواقهم أحزانهم أفراحهم بكائهم هموهم نومهم احلامهم ضحكاتهم كل هذا كان واقع ملموس أمام ناظري.

ومن أكثر الشخصيات الذين ما كنت استطيع أن اغض الطرف عنهم وراقبت جميع حركاتهم وكنت على مقربة منهم في حلهم وترحالهم، وهي بالمناسبة عدة شخصيات رئيسية سأذكر بعضهم، واحدى تلك الشخصيات متجسده بالكونت (بيير بيزخوف )
وكيف انقلب حالة في ليلة وضحاها ليصبح من أثرى اثريا روسيا وسندع هذه الأمور للقارئ يستمتع في معرفة تفاصيلها ..ومن بين تلك الشخصيات ايضا نذكر الأمير (اندريه) الذي تدرج في سلم الجيش وشغل مناصب مرموقة وكان من انشط الضباط وصاحب فكر ورأي ورغم نشاطه وذكائه وفطنته إلا أنه لم ينجو من عاصفة عاطفية تهب عليه من حيث لايحتسب فيضطرب اشد أضطراب، فتألمت لتلك الأحداث التي كانت من أشد الأحداث وطء على قلبي وتأثرت أيما تأثر، وسيدرك القارئ الكريم كل ذلك عند معرفة تلك الأحداث في رواية الحرب والسلم
و في هذه اللحضة ادركت أن هناك ثمة ثقوب دودية في الروايات وتذاكر العبور تجدها لدى أديب من طراز مآسي فريد وهم قله، تلك الفئة التي تستطيع صنع ثقب دودي في روايته، أدمغة ماسيه نادرة بحجم لوف تولستوي، ودوستويفسكي، ودكينز وهوجو، وامثالهم من رواد الادب العالمي
ووبعد أن نغادر رواية الحرب والسلم سأقص عليكم
نبذة عن رحلاتي .ومغامراتي مع بعض الثقوب الدودية في الفصل الثالث
التتمه في المقال الثالث


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد