الأمويون.. بزوغ بعد غروب

لقد كان في حكمه شيءمن الطغيان، ولمسات من الاستبداد، بيد أن طغيانه له من التداعيات ما جعل للدولة الأموية شأواً عظيماً، ومكانة مرموقة أهّلتها لأن تكون الأعظم في تاريخ دول الإسلام .

وهذا يرجع بالأساس إلى حالة الاستقرار التي سادتها برغم أن كل العوامل تجعل منها دولة متضاربة الأحوال، منقسمة الأمصار.

فهل يرضى الخوارج أصحاب البأس، والذين كفروا على بن أبى طالب لمجرد كفه عن محاربة معاوية بالملك العضوض الذي أسسه معاوية نفسه ؟! وهل يقبل الهاشميون وأشياعهم الذين تحملوا تبعة هذا الدين بان يسوسهم الأمويون ؟ وماذا عن الذين خرجوا عن عثمان بجريرة محاباة بني قومه فإذا هم بذواتهم يتصدرون المشهد كله ولكنهم غيروا قبضة عثمان التي كانت من حرير فإذا بها تتحول إلى قبضة من حديد .

..وليس هناك خلاف تاريخي حول أن أعظم خليفة من حيث الإنجازات الملموسة، ومساحات الفتوحات الواسعة المفتوحة هو عبد الملك بن مروان، فضلاً عن الاستقلال المالي من الدولة البيزنطية بسك الدينار الإسلامي الذي نافس نظيره البيزنطي في عقر داره، والتطور الإداري في تعريب الدواوين .

كل ذلك بفضل ما وفره هذا الطاغية بطغيانه من استقرار لدولته، فاتسعت مساحتها، واستطال نفوذها، وترامت أطرافها …وأمام رغد العيش، وبسطة الرزق، غابت بساطة الراشدين، وانزلق القوم في خيلاء دهماء نامت من فرط بُلهنيتها عيونهم، وغفل عن تآمر مخالفيهم وجدانهم، وكان تخطيط منافسيهم كتوماً محكماً، وكان تحذير تابعيهم عالياً حكيماً، وكان تجاهلهم للخطر المنتظر غريباً مريباً، فكانت تحذيرات نصر بن سيار الأولى القريب من الحدث في خراسان إلى يزيد بن هبيرة والى العراق إلى حد ما مستترة قال فيها:

ابلغ يزيد وخير القول أصدقه

وقد تبينت ألا خير في الكذب

إن خراسان أرض قد رأيت بها

بيضا لو أفرخ قد حُدّثت بالعجب

فراخ عامين إلا أنها كبرت

لمّا يطرن وقد سربلن بالزغب

فإن يطرن ولم يُحتل لهن بها

يلهبن نيران حرب أيّما لهب

فلما لم يجد منه رداً لانشغاله بمحاربة الخوارج كاتب مروان بن محمد بتحذيره الواضح وأشعاره الشهيرة

 

أرى خلل الرماد وميض جمر

ويوشك أن يكون له ضرام

فإن النار بالعودين تُذكى

وإن الحرب أولها كلام

فإن لم يطفئها عقلاء قوم تكن حرباً

مشمرة يشيب لها الغلام

وفى رواية أخرى (فإن لم يطفئها عقلاء قوم يكون وقودها جثث وهام ) ولكن، شغلت الحرب بين القيسية والمضرية مروان الثاني عن هذا التحذير فاتجه بعد ذلك إلى العرب يستثير نخوتهم قائلاً :

أبلغ ربيعة في مرو وإخوتها

أن يغضبوا قبل أن لا ينفع الغضبُ

ما بالكم تلقمون الحرب بينكم

كأن أهل الحجا عن فعلكم غُيُبُ

وتتركون عدواً قد أظلكم

فيمن تأشبَ لا دين ولا حسبُ

ليسوا إلى عرب منا فنعرفهم

ولا صميم الموالي إن هُمُ نُسبوا

قوم يدينون ديناً ما سمعت به

عن الرسول ولا جاءت به الكتبُ

مَمَنْ يكن سائلي عن أصل دينهم

فإن دينهم أن تُقتلَ العربُ

ولكن وقع المحظور رغم كثرة التحذير، وصدق الحدس بوقوع الحدث فكانت صيحة الشاعر سديف بن ميمون :

ارفع السوط وضع السيف حتى لا تبقي فوق ظهرها أمويا

هي بمثابة بداية أفول النجم الأموي الذهبي في ربوع الشام الجميلة في المشرق ليعاود البزوغ متلألاً على تلال الأندلس الباسقة غرباً على يد صقر قريش عبد الرحمن بن معاوية الأموي (الداخل )، ورغم غزارة الدماء، وانتهاك المحارم، وعظم المغارم، عاد المجد الأموي مختالاً، وكما كان متأثراً بالحضارة البيزنطية العظيمة بحكم التجاور شرقاً، بات متفاعلاً مع الفن القوطى الرائع بحكم التواجد غربا..ً. وأمسى الأمويون ـ بحق ـ هم الطبقة الأرستقراطية في مجتمع البداوة العربية


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد

تعليق 1
  1. وائل كامل سليم يقول

    جميل يا جبرتي الصعيد القيمة والقامة ا محمد مطاوع حفظكم الله وسدد خطاكم ونفع بكم