أنا وأمي والرجل الطيب والذكريات – قصة قصيرة

أشرق الصباح بنوره البديع، وامتدت خيوط أشعته الشمس الجميلة عبر زجاج النافذة؛ لتداعب وجهي الصغير، ولامس أذناي الصغيرتين صوت أمي الرقيق، وهي تقول: “استيقظ يا طفلي الصغير الحبيب”، كان صوتها الحنون الممزوج بقبلة الصباح وجهها الجميل المرسوم عليه تلك الابتسامة المشرقة أجمل ما في هذا الوجود.

أنا وأمي والرجل الطيب

أنا وأمي والرجل الطيب

استيقظت في ذلك اليوم الحزين على صوت الرعد المدوي المرعب، وومض البرق الخاطف المفزع، فنظرت من النافذة فإذا السماء ملبدة بالغيوم، وكأنها تشاطرني حزني على فراق أبي، وتشاركني لحظة وداع أمي؛ وكأن أمطارها دموعها، وصوت الرعد نواحها، ولمع البرق فزعها، فبعد حادث سيارة أليم؛ مات أبي، وأصيبت أمي بشلل شبه تام، وبالرغم من أنها لم تأتي لتوقظني كعاتها ذلك اليوم، إلا أن شوقي وحبي لها هو الذي أيقظني مبكراً لوداعها، فنظرت إليها وهي جالسة على ذلك الكرسي المتحرك، وقد شحب لونها، واختفت ابتسامتها، وخفت صوتها، فانهمرت الدموع من عيني، فاحتضنتني بالرغم من ضعفها الشديد، وبصوت أشبه بالهمس قالت: “لا تخف يا صغيري، أيام قليلة، وسوف أعود بإذن الله من أجلك، ولكن إلى تلك اللحظة أريدك أن تكون رجل المنزل حتى أعود”.

كنت أتمنى حقاً أن تعود أمي ثانية، وأحظى بلقاء آخر معها، وبحضن دافئ منها مجدداً يبعث في قلبي الحب والأمل، لكنني في قرارة نفسي كنت أعلم أنه اللقاء الأخير، تحرك الكرسي للأمام يدفعه خالي من الخلف، وكلما تحرك؛ تحركت معه أشواقي وذكرياتي مع أمي، أنظر إليها وتنظر إلي، وكلانا يبكي، وكلانا على يقين أننا لن نلتقي من جديد.

أصبحت بين عشية وضحاها، الابن الأكبر، والعائل الوحيد لعائلتي، وبالرغم من حنان ورعاية أقارب والدي ووالدتي المادية والمعنوية لنا، إلا أنني قررت البحث عن عمل، عملاً بوصية أمي، التي طلبت مني فيها أن أكون رجلاً للمنزل، ولكن من يوظفني وأنا غلام صغير، فكلما عرضت نفسي على أصحاب الأعمال يضحكون ويعتذرون، ولما وجد عمي إصراري على العمل، تكلم مع أحد أصدقائه المقربين، وكان رجلاً صالحاً، لديه مول تجاري كبير لبيع المواد الغذائية، فوافق على أن أعمل معه.

كنت أقف في مدخل المول لتوزيع العينات المجانية للمنتجات الجديدة على الزبائن، وأحببت هذا العمل كثيراً، لأن أغلب الزوار كن من النساء، وكنت أرى في وجه كل واحدة منهن أمي، وكنت أشعر بالسعادة الغامرة وأنا أساعدهن في حمل أغراضهن للسيارة، وكان صاحب العمل رجلاً رقيقاً يحسن إليَّ، ويعاملني كابن له.

كان عمي وخالي هما كل من تبقى من عائلتي، وكانا يتحملان أغلب نفقاتنا، ويقتطعان جزءاً من رواتبهم لنفقاتنا أنا وأخواتي الثلاث الصغيرات، ولما وصلت لنهاية المرحلة الثانوية، توفي كلاهما في نفس العام، فقررت التخلي عن الدراسة، والبحث عن وظيفة أخرى براتب أكبر لإعالة أسرتي.

علم صاحب المول التجاري برغبتي في ترك الدراسة والبحث عن عمل آخر، فاستدعاني إلى مكتبه، وقال: “يا بني منذ اليوم الأول وأنا أعتبرك ابناً من أبنائي، فلا حاجة لترك الدراسة والبحث عن عمل جديد، منذ اليوم وحتى تنتهي دراستك الثانوية والجامعية، كفالتك أنت وأخواتك الصغيرات في ذمتي”، لم أتمالك دموعي، فقال: “اقترب يا بني”، اقتربت منه، فضمني إلى صدره، وقال: “لم يكرمني الله بإنجاب الأولاد، أنت ابني الذي وهبني الله إياه”.

كنت أدرس وأعمل في نفس الوقت، حتى أنهيت دراستي الثانوية، ثم أنهيت دراستي الجامعة وتخرجت من الجامعة، واجتهدت في عملي حتى صرت نائب المدير، ثم المدير، ثم أصبحت مالك هذا المول التجاري الكبير بعد وفاة هذا الرجل الطيب، وأوقفت بعضاً من أرباحه صدقة جارية على روح أمي، وعلى روح هذا الرجل الطيب، فكل ما أنعم الله به على كان بفضل كلمات أمي، وإحسان هذا الرجل الصالح.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد

2 تعليقات
  1. الحسن نجاح يقول

    انا صاحب الصورة نجاح الحسن من المغرب

  2. بدر منصور الجو يقول

    توصلني رسله اني انا الفايز ولم استلم شي اسمي بدر منصور الجو من دوله اليمن رقم الهاتف ٠٠٩٦٧٧٧٥٩٥٩٩٠٠