أسباب فشل زواج العاشقين

ارتفاع نسب الطلاق من أكثر الظواهر انتشاراً في المجتمع المصري في الفترة الأخيرة وخاصة بين الشباب المتزوجين حديثاً وفي بداية رحلة الزواج، والعجيب والأغرب انفصال المتزوجين عن قصص حب كبيرة شهدها المجتمع المحيط بهم.

انتظار الحب:

تأثر الشباب المصري المعاصر بقصص الحب الرومانسية في الأفلام المصرية القديمة التي تربوا عليها وشاهدوها في طفولتهم، أثرت هذه الأفلام في تفكير الأطفال وخصوصاً مع مشاهد النهايات السعيدة التي تنتهي بها الأفلام والأحداث الدرامية الشيقة داخل الفيلم، زرعت الرغبة في الحب داخل الطفل الصغير وجعلته يعيش في عالم من الخيال انتظاراً لهذه اللحظة وبحثاً عن فتاة رومانسية كبطلات هذه الأفلام ويظل يبحث في العالم المحيط به عن بطلة فيلمه الخاص في انتظار أن يعيش قصة حب خيالية جميلة.

بداية الحب:

في سن المراهقة يبدأ الشاب البحث عن تكوين علاقات وصداقات مع شباب وبنات جيله في المجتمع المحيط به ويظل يبحث داخل هذا المجتمع عن فتاة يدق لها قلبه حتى يعثر على فتاة تبحث مثله عن بطل لفيلمها الرومانسي، وتبدأ قصة حب رومانسية بينهما في سن مبكر جداً يعيشها الطرفان بكل صدق وبعفوية وعقول شباب في سن مراهقة ليس لديهم النضج الكامل للحكم على مشاعرهم والتفريق بين المشاعر الحقيقية ووهم الحب في سن المراهقة، وسرعان ما تنتشر قصة الحب هذه بين الزملاء والأصدقاء.

الرغبة في الزواج:

يفاجأ أهل هذين العاشقين برغبة أبنائهما في الزواج وهما في سن مبكرة جداً لم ينهوا تعليمهم الجامعي بعد بل منهم من لم ينهي تعليمه الثانوي بعد، ويبدأ كل طرف منهم بالضغط على أهله كي يقبلوا بهذا الزواج تحت شعار (بحبها يا بابا) وسط اندهاش وذهول من الأب والأم، مرددين كيف تتزوج وأنت لم تنهي دراستك بعد وأين ستتزوج وكيف ستنفق على نفسك وزوجتك، وبالطبع يرفض معظم الآباء هذه الخطوة لعلمهم بعدم مصداقية المشاعر في هذا السن الصغير (المراهقة) أو لعدم توفر الظروف المادية والاجتماعية المناسبة لإتمام هذا الزواج.

خضوع الأبوين لضغوط العاشقين:

قد يستجيب بعض أولياء الأمور لضغوط الأبناء عليهم من أجل إتمام هذا الزواج خوفاً على الأبناء من الانتحار أو الصدمة النفسية وخصوصاً إذا كانت الظروف المادية والاجتماعية للأبوين جيدة، وتبدأ إجراءات الزواج وسط فرحة خيالية من العاشقين وفرحة الأهل والأحباب.

مرحلة الزواج:

بعد نجاح العاشقين في الضغط على أسرهم وإتمام الزواج، تبدأ مرحلة الجدية والاصطدام بالواقع، فيجد العاشقين نفسهم في حياة واحدة مغلقة عليهم معاً وبعد مرور شهور الزواج الأولى يبدأ الطرفان الانخراط في الحياة العملية وتحمل المسئولية معاً فمنهم من ينجح في إكمال المسيرة بنجاح ومنهم من يصطدم بصعوبة الحياة الزوجية وثقل المسئولية واختلاف الصورة الحقيقية للحياة الزوجية الواقعية عن الحياة الخيالية في الأفلام الرومانسية.

مرحلة الصدمة:

يصطدم أحد الزوجين أو كلاهما بالواقع المرير والمسئولية الكبيرة مما يضعهما تحت ضغوط كثيرة لا يستطيعون تحملها وتبدأ الخلافات بينهما ويتهم كل منهما الآخر بالتغير والاختلاف عن مرحلة ما قبل الزواج، وهما على حق لأنهما قبل الزواج كانوا شابين مراهقين أما الآن فأصبحا زوجين مسئولين عن بيت وأسرة وحياة مشتركة لم تخطر على بالهما قبل الزواج بل كانوا يحلمون بالحياة الرومانسية الجميلة التي شاهدوها في الأفلام.

مرحلة الانفصال:

بعد زيادة الخلافات بين الطرفين تصبح الحياة بينهما مستحيلة ويقررا الانفصال بالتراض أو يقرر أحدهما التخلي عن الآخر وهجرته، ولكي نتجنب الوصول إلى هذه المرحلة لابد أن نعرف الأسباب التي أدت إليها، وسنستعرض فيما يلي بعض هذه الأسباب.

الحب أعمي:

الرغبة في خوض التجربة الرومانسية أثر سلبياً على اختيارات الشباب وجعلتهم يتعجلون في خوض هذه التجربة دون البحث عن شريك مناسب أو صفات مناسبة لهم ودون الدراسة الكافية لصفات وطباع بعضهما البعض قبل الزواج ووضع خطوط عريضة لحياتهما معاً مبنية على التفاهم وتقريب وجهات النظر واختيار الطريقة التي تناسب إمكانياتهم المادية والنفسية، وجاء الاختيار بناء على الشكل والمظهر والمشاعر الوهمية (مراية الحب عمياء).

الحياة الخيالية:

بنى العاشقين تصوراً خيالياً لحياتهما معاً على أساس الحب والعشق والرومانسية والفسح واللحظات السعيدة والورود ولحظات الحب والغزل المتبادلة بين الطرفين، ولما خاضا التجربة الواقعية بعد الزواج وبدأت هذه الصورة في الاختفاء تدريجياً من حياتهما اصطدم أحدهما بالصفات الحقيقية للطرف الآخر التي لم يراها من قبل ولم يشعر بها، ومع ضغوط الحياة الاجتماعية والمسئولية المادية الكبيرة للزواج وتكوين الأسرة ازدادت الفجوة بين الطرفين وبدأت الخلافات بين الزوجين.

 

العناد والتكبر:

بعدما انقشعت الصورة الخيالية للزواج وبدأت الصورة الحقيقية الواقعية وازدادت الخلافات بين الزوجين، واكتشفا اختلاف الصفات والطباع بينهما واختلاف وجهات النظر بينهما في طريقة استكمال حياتهما معاً، رفض كلاً منهما التنازل عن رأيه وتمسك بوجهة نظره في استكمال الحياة الزوجية على طريقته بل وطالب الطرف الآخر بالتضحية والتنازل إثباتاً لحبه له تحت شعار (لو بيحبني حيضحي علشاني)، وكذلك طالب الطرف الثاني الطرف الأول بالتنازل والتضحية لأجله إثباتاً لحبه، ومن هنا ازدادت حدة الخلافات بينهما وفشلت كل محاولات الصلح والإصلاح بينهما من المحيطيين بهما وتم الانفصال فعلياً أو عاطفياً واصطدم الأهل والأقارب بل والزوجين أنفسهما من هذا الانفصال وتسائلا أين ذهب الحب، أين ذهبت قصة الحب الرومانسية الطويلة التي تغنى بها الجميع، لماذا لم تحارباً من أجل استكمال الحياة كما حاربتم من أجل الارتباط سابقاً رغم معارضة الأهل والأقارب لهذا الارتباط ومن المخطئ ومن يستطيع الإصلاح بينهما.

الحمل ثقيل:

الزواج مسئولية كبيرة وحمل ثقيل يصعب على الشباب تحمله في ظل الضغوط المادية الكبيرة للزواج ومصاريف الأسرة وتربية الأبناء وخاصة عندما يقدم الشباب على هذه الخطوة في سن مبكر جداً وقبل الاستعداد الجيد لها من الناحية المادية أولاً ومن الناحية النفسية ثانياً، ويؤدي التسرع في اتخاذ هذه الخطوة إلى وضع الشباب تحت ضغوط نفسية ومادية صعبة جداً مما يؤثر على علاقتهم بالطرف الآخر ويؤدي إلى مزيد من المشاكل والعصبية في التعامل من الطرفين نتيجة الظروف المادية الصعبة وبعض المشاكل التي قد يتعرض لها أحد الطرفين أو كلاهما مثل (البطالة- الديون).

الخلاصة:

الحب شعور جميل وهو أساس الحياة الاجتماعية فلولا الحب ما طاب العيش بين الزوجين ولولا الحب ما تحمل الآباء أبنائهم وضحوا بكل شيء من أجلهما، ولكن الحب يحتاج إلى رعاية كما يحتاج النبات إلى الماء، ولكي ينجح الطرفان في علاقتهما الزوجية لابد من الاختيار الصحيح لشريك هذه العلاقة الطويلة على أساس الصفات المشتركة والطباع المتشابهة ووجهات النظر المتقاربة والظروف الاجتماعية المناسبة للطرفين أولاً قبل الاختيار على أساس المال والجمال، كما يجب عدم التسرع في الحكم على العلاقة بين الطرفين فليست كل المشاعر تسمى حباً فهناك فرق بين الإعجاب والحب وهناك فرق بين الحب الحقيقي ووهم الحب بين الطرفين، فالحب وحده لا يكفي لنجاح الحياة الزوجية وتكوين أسرة سعيدة.

اختم مقالي بقول الله سبحانه وتعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد