قصة قصيرة – المشرط

يظل ياسر يحمل حقيبته المدرسية المحشوة بالكتب، ينوء ظهر يافع مثله بحملها مترددا على مدرسته التي تبعد مسافة شاسعة عن قريته، كان زاده في المسير دعوات أمه الحنونة وتمنياتها له، وهي تناوله افطاره الذي تحرص على اعداده بنفسها في المنزل، فليس لديهم مقدرة مالية لشراء الساندوتشات يوميا، فاعتاد على شراء افطاره يوم الخميس فقط، مايعينه على التفوق أخبار والده له أن هذه اليد النحيلة ستمسك بالمشرط ذات يوم لتزيل آلام المرضى وتزيل معها معانأة أسرته وماقاسته عبر السنين من مرارة الحياة وقسوة الظروف وشطف العيش،
كان كلما ارتخت همته في تحصيل دروسه، تذكر أيادي تشققت لينعم هو بشهادة تعينه في مستقبل الأيام، عندها يرى نفسه طبيبا لامعا، يتخيل نفسه طائفا حول الكعبة برفقة والديه، لا ينسى أن يلون حلمه بصور زاهية لاخواته الخمس وهن يرتدن الجامعات ؛ ينهلن من مختلف العلوم.

يرسم عالمه كما يرى العالم من خلال الشاشة الوحيدة في القرية والتي يتجمهرون حولها امام دكان حاج الأمين، أرسلها له ابنه من الخرطوم.
ياسر ذو العشر سنوات، ماكانت أمه لتدعه يغيب عن ناظرها كثيرا، ما أن تمر ساعة الا وتستدعيه للمنزل، لذا عندما ذهبت بغرض العزاء في قرية مجاورة خرج ليلعب الكرة في الميدان الكبير، جاءت لتجده قد سقط اثناء اللعب وكسر يده اليمنى؛ اخذوه لمنزل البصيرة في طرف القرية فقامت بعلاجه بعمل (جبيرة) كعادة اهل المنطقة.
بعد اسبوع عاوده الألم فارجعوه لها فقامت بكسر اليد ومعالجتها مرة أخرى.

مرت ثلاث أيام بلياليها ولم يتذوق طعم النوم فقد كان يتألم بشدة، فعاودته هي في منزلهم وقامت بكي اليد في ثلاث مناطق مختلفة، مما أدى لتفاقم حالته واسوداد لونه وتورمت يده حد الانتفاخ.
لم يك أمام اسرته خيارا سوى الصبر والدعاء، زاره جارهم ميسور الحال، كان قد عاد لتوه من خارج البلاد، لما رأى حاله أشفق عليه ودس في يد والده مبلغا كبيرا من المال واوصاه بعرضه على اخصائي عظام شهير في الخرطوم.
لم ينتظر الأب حتى الصباح، فقام من ليله برفقة زوجته بأخذ ياسر لقرية مجاورة تمر بها البصات في طريقها للخرطوم باكرا، استقل البص ليحط رحاله في مستوصف الطبيب الموصوف له ؛ الذي هاله منظر الصغير فأدرك أن ضيق ذات اليد هي التي أوصلته لهذه الحالة، أمر باجراء الفحوصات اللازمة وأخبرهم بأنه سيضع خبرته الطويلة في محاولة معالجته.
غاب ياسر في غرفة العمليات، خرج بعد اسبوع من المشفي فاقدا لحلمه بالمشرط.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد

3 تعليقات
  1. مجاهد يقول

    اروينا من بحر مخيلتك العبقريه