صاعقًا هو الموت! يأتي فجأة دون سابق إنذار! فلا ينتظر أسباب ولا مقدمات؟ إنها القيامة! قيامة الإنسان هي موته فمن مات قامت قيامته! فلا تدري النفس متى تموت ولا بأي أرض تموت.
ثمة معتقدات طفولية تلازمنا في مراحل نمونا، بعضنا يصدمه القدر فيحطم تلك المعتقدات عاجلًا وبعضًا يمهله القدر فيأتيه الدرس متأخرًا!
كان بن الثمانية أعوام يعتقد أن الموت لا يصيب الأطفال! وأن الموت يحتاج لأسباب أو مسببات حتي يأتي!
جمعت طفولته بين المدينة والقرية فكان يرى القاهرة بضجيجها وزخمها تملك مسببات وأسباب النهاية، فالحياة بها عبارة عن صراع من عبور لطرق؛ لا تفهم من أين تأتي تلك السيارات! وصخب لا تفهم أسبابها! حتى عندما تدرك بيتك تجده عبارة عن أربعة جدران لا شيء يتخللها سوى نافذة لا ترى منها إلا سيارات وأنُاس في صراع على شيء لا تفهمه!
بينما كانت الرحلة إلى هذا الكون الفسيح في ريف الإسماعيلية هو شكل من أشكال الحياة حتى جاء الدرس مبكرًا، طفل في العاشرة من عمره تصدمه سيارة أنهت حياته! كانت صراخات هذا المسكين الصاعقة التي حولت سكينة وهدوء الريف لأهوال من أهوال النهاية!
بدأ ابن الثمانية في حيرة من أمره! أسئلة كثيرة ملئت رأسه لا يجد لها إجابة! هل من الممكن أن تموت الأطفال؟ لماذا إذًا تموت الأطفال بينما هناك شيوخ طاعنة في السن على قيد الحياة! ماذا فعل هذا الطفل لتنتهي حياته؟ وإذا كان الموت مصيره وهو طفل فلماذا ولد من الأساس!
بدأ ابن الثمانية يدرك أن هذه الرحلة ستعيطه درس عمره، فهذا الكم من الأسئلة التي حملت في ظاهرها الكفر! لكنه في برهة من الزمن استعاد إيمانه.
أدرك أن لكل أجل كتاب وأن لكل شيء حكمة قد ندركها وأحيانًا كثيرة لا ندركها؛ فخالق الكون له حكمه وحكمته فهو مالك الملك وما علينا إلا التسليم لقدره مع العمل على الأسباب التي سببها للحياة؛ وأننا سواء فهمنا أم لم نفهم فما علينا إلا الصبر والاحتساب وأننا جميعًا مآلنا الموت.
لكن العجيب أننا لا ندرك قيمة بعضنا إلا بعد فوات الأوان، نألف النعم ونألف الأشخاص حتى تأتي النهاية لندرك أننا كنا نملك الكثير لكن إصرارنا على المفقود أفقدنا لذة الاستمتاع بما هو موجود.