خيارات الأقليات في سوريا بين الولاء للداخل أو الاستقواء بالخارج .. خريطة طريق للحل من 5 نقاط

عاشت سوريا خلال العقود الماضية تناقضات تثير الاستغراب والعجب، وبينما كانت جميع دول العالم تنقسم سياسياً وديموغرافياً إلى أكثرية وأقلية، كانت تلك التعبيرات الواقعية مرفوضة ومُدانة من السلطة الاستبدادية في سوريا نظراً لأنَّ التطبيق العملي يشير إلى تناقض أكبر يتمثل بحكم الأقلية للأكثرية ثمَّ قمع وشيطنة النظام البائد لتلك الأكثرية في نظر جميع الأقليات، وهو ما ظهرت انعكاساته العملية على الواقع السياسي في البلاد بعد انتصار الثورة السورية عبر الحديث عن خيارات الأقليات في سوريا بين الولاء للداخل أو الاستقواء بالخارج.

الأكثرية والأقلية تعبيرات سياسية أم إهانة وانتقاص

ورغم سقوط نظام المجرم إلَّا أن إرثه الذي زُرع في العقول لا يزال يتحكم بمواقف وأفكار كثير من النشطاء والمنظرين في الشأن السياسي، حيث لم تفلح سياسة ضبط الجماهير وشعار “نصر لا ثأر فيه” في تغيير صورة الأكثرية السُنية في نظر من يستمرون برفض الاعتراف بالواقع عبر استنكار مصطلحات الأكثرية والأقلية التي يُعتبر استخدامها أمراً طبيعياً في جميع الدول الحرة حول العالم، فيما تعتبرها الأقليات في سوريا مصطلحات جارحة ومُعيبة تنتقص من حقوق الإنسان وكرامته الوطنية!

صورة ذهنية قائمة على الكَراهية والعِداء المتبادل

لقد ساهمت النكبات المتوالية التي تعرضت لها الأكثرية خلال العقود الطويلة الماضية، مع تمترس نظام الأسد وراء الطائفة العلوية، في ترسيخ صورة ذهنية قائمة على الكَراهية والخوف والعداء المتبادل بين الأكثرية الشعبية المستضعفة والأقلية الحاكمة، ثم استمر ذلك بسبب اختراق حالة ضبط النفس التي فرضتها الدولة السورية الجديدة على الأكثرية، والذي جاء بعد تحرك الفلول في الساحل السوري مما تسبب بإحداث انتكاسة للصورة التي عَكفت الإدارة الجديدة للبلاد على رسمها طوال الـ 90 يوما التي سبقت تلك الأحداث.

أخطاء تساعد على تفاقم المشكلة وتوسيع الهوة

وفي هذا السياق يتجاهل البعض – غافلاً أو مُتعمداً –  أن التجاوزات الثأرية من ناحية والتركيز على خيارات التعاون مع الاحتلال والاستقواء وطلب الحماية الخارجية من ناحية ثانية، تلعب دوراً مباشراً وكبيراً في تعزيز وإحياء الصور الذهنية التي رسمها النظام المجرم.

وكما يساهم تجاهُل الأكثرية لموضوع التجاوزات الثأرية، في تغذية توجه الأقليات للاستقواء بالخارج، وطلب الحماية الدولية، فإن إصرار تلك الأقليات على الاستقواء بالخارج وطلب الحماية الدولية، يفاقم المشكلة ويؤدي لتوسع نطاق التجاوزات الثأرية كنتيجة حتمية لترسيخ الصورة الذهنية السابقة وزيادة حالة التمترُس والعِداء بين جميع الأطراف.

خطوات الحل تبدأ بالاعتراف الواضح بالمشكلة

رغم أنها لم تنفِ صفة الكفر عن عدد من أطرافها، فقد أكَّدت أول وثيقة دستورية في الإسلام “دستور المدينة المنورة” أنَّ جميع سكان المدينة هم “أمة من دون الناس” وهو ما يدل دلالة واضحة وصريحة أنَّ الشريعة الإسلامية تجرِّم وتمنع قتلَ أي مواطن أو الانتقاص من حقوقه الوطنية، وأمام تلك الحقيقة يبدأ الحل بين جميع مكونات الشعب السوري عبر الخطوات التالية:

1. الاعتراف بالحقائق دون تزييف أو تجميل مصطنع، مع عدم نفي الاختلاف والتأكيد على الخصائص الدينية لكل طرف، كونها حرية شخصية لا تمُس الحقوق الوطنية.
2. التأكيد على أن جميع الأفكار والتوجهات ابتداءً من الاعتقاد بقُدسية دور الشريعة في جميع أمور الحياة والسياسة، حتى الاعتقاد بضرورة تحييد الدين عن السياسة، هي أمور تندرج في إطار الحرية الفكرية ومحلها النقاش والحوار الحر.
3. عقد حِوار مجتمعي يعمل على رسم صور ذهنية لا تنكر الاختلاف الديني، ولكنها تؤكد على أهمية حقوق وواجبات المواطنة والتعايش تحت سقف الوطن ويترافق ذلك الحِوار مع خطوات فعلية تساهم في إثبات ذلك عملياً.
4. التأكيد على نبذ المُجرمين والخونة والمتآمرين أيا كانت توجهاتهم الدينية أو العرقية وعدم انتهاج سياسة تعميم الأخطاء والجرائم وترسيخ مبدأ المحاسبة الشخصية والعدالة الانتقالية.
5. فتح باب التجاذبات السياسية والتأكيد على حرية انتقاد النظام السياسي والسلطة الحاكمة، تحت سقف الوطن مع تجريم  استجلاب الدعم الخارجي أو الاستقواء بالخارج على شركاء الوطن، تزامنا مع تسليم سلاح جميع المكونات أكثرية وأقليات لوزارتي الدفاع والداخلية في الجمهورية العربية السورية.

مقال رأي بقلم: محمد خير الحوراني