حُبٌّ على طاولة الإجرام!

بقلم – إبراهيم فايد

 

كان متمرسًا في عالَمِ الإجرام، وقد عاد لِتَوِّهِ مِن عِراكٍ نَشَبَ بينه وبعض أوغاش الحي العتيق وأوباشه.. كان الوقت متأخرًا يقارب الثالثة بعد منتصف الليل ويُشارف قرآن الفجر، تَفَحَّصَ ذاك الأخْوَبُ الولهان أعلى الأفق فلمح نديمته وأنيسته صفية عينه وقريرتها كالقمر ليلة بدره وقد لَبَدَت بنافذتها الأرابيسك الشركسية الخشبية الصغيرة إلى جوار سريرها؛ تنظر أيعود حبيبي ذاك الآثم الأرعن كعادته بعد العِراك منفوشًا مُستلًّا بَلْطَته مُجَعْجِعًا بصوته الجَهوري كأنما فَتَحَ حصون عكَّا لِتَوِّهِ؟ أم يُعادَ إليها مُكَبَّلًا غارقًا بِدِماه محمولًا على الأعناق كحال خصومِهِ طيلة سنواتٍ ثلاث عشرة مضت، قضاها كلها زائغًا طائشًا مُشْتَطًا في عالم الإجفال؟!

دقَّقَ ذاك الجانح النظر بعينَي محبوبته فرأَى منها التأفُّفَ والضجر بما يَسُدُّ عيون موسى وما عاداها مِن قناطر الشام وسدود صنعاء وبوابات القاهرة وجسور بغداد، وإذ بها تصدح بسريرتها: إلى متى تَمُرُّ السنون وتنطوي الأزمان وتنضوي ومُغْرَمي الشقي في هذا الوغَى قائمًا، ألا لابد لفؤاديَ الخلاص مِن لعنة الهوى بشابٍ أهْوَجٍ مِثْلِهِ، لكن وماذا عسايَ أفعل وقلبيَ متمردٌ شاردٌ هائمٌ على سجِيَّته!

احتد بصره وشَخَصَ وكأنما قرأ ما اختلج بمُخَيِّلَتها من نية الفراق؛ فتَبَرَّمَ حالُهُ وبَشَمَ بالُهُ وسأم وأشهَرَ شَفْرَتَهُ بوجهها متوعدًا: قمري الأليف، هلا تراجعْتِ عمَّا أصاب منكِ البال واستقر له الخيال، وإلا ورَحَمات المقرَّبين جميعهم -أحياءهم وأمواتهم- لألتقِفَنَّ منكِ الرَّوْح قبل الجسد، ولأنتزِعَنَّ إقامةً جبريةً تجمعنا في رحاب مريخٍ لا يصل إليه ضَيُّ ضُحًى ولا وَضَحُ بُكورٍ؛ حتى أُواريَنَّكِ عن أَعْيُنِ الخَلْقِ جميعهم؛ فلا يُعْرَفُ لكِ طريقُ جُرَّةٍ ولا يُبْصَر إليك سبيلُ مَجَرَّة.

رمقَته هُنَيْهَةً برمشها البَتَّار بعدما سكَّنَتْهُ كلمات حبيبها الأشِرِ، وراحت تَعْتُبُ حالها:
ماذا دهاكِ، أعَشِقْتِ قلبَهُ أَمْ نَصْلَهُ ذاك البلطجي المتصابي؟
عشِقْتِ لِينَ نبراته أَمْ دَوِيَّ صرخاته؟
عشِقْتِ وعود دلالِهِ أَمْ ألجَمَتْكِ تَوَعُّدات بطشِه؟!
أوَّاااه مِنَ الحب وأوهامه.. أَوَّاااه مِنَ العشق وهيامه.. أَوَّاااه مِنَ القلب وأحلامه!

#إبراهيم_فايد


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد