الكاميرا ومغامرة كرة القدم بعد الخامسة والستين

اصر ولدي أن يصحبني معه لمباراة كرة قدم، فاعتذرت له، وبمزيد من الالحاح اخذتني العاطفة فوافقت، دار بيننا حديث طويل عن ذكرياتي مع كرة القدم وما بين الابتسامة والسخرية بأدب يداعبني بأسلوبه الجميل، اشعر بسعادة غامره لا أعلم تحديدا ما سببها فربما تكون الذكريات أو اصطحابه لي في حب كالصديق،.مشوار طويل حتى تصبب العرق ونحن نتنقل في المواصلات، فعذرا ولدى لا أملك سيارة، وصلنا إلى أرض الملعب. اشاهده من بعيد وزملائه يرحبون به، كان يبادلني النظرات، واحترت هذه المرة، وهمست محدثا نفسي هل هو فخور بي ام انه ندم على صحبتي معه، وأحاول الاجابة على السؤال الذي لم يطرح.

كرة القدم

غير ملابسه وقبل التزول إلى المباراة أمسك بيدي واجلسني على كرسي بالقرب من المدرب، فابتسمت وعلمت انه سعيد بوجودي خاصة عندما قدمني لمدربه وصافحته،  ثم رأيته يهمهم وكأنه يدعو الله أن يحقق فريقه الفوز، أو انه يقرأ آيات من القران كما علمته دوما.

كانت المباراة غير رسمية، بدأت المباراة وانطلقت صفارة الحكم، ليتراءى لي شريط الذكريات الجميلة مع الساحرة، كنت العب جناح ايمن وقت الشباب وكانت الكرة عشفي وجنوني، مر من الوقت نصف ساعة والنتيجة التعادل بدون أهداف.

كان الحديث متقطعا مع المدرب، يتابع المباراة ويقف ثم يجلس ويصرخ ثم يبتسم وهو يوجه الفريق، ظل شريط الذكريات يهاجمني فتجرأت واستأذنت المدرب أن انزل مع فريق ولدى، وأرى الرفض في عينيه، لكنه وافق بدون نقاش ونزلت بمركزي الذي احبه جناح ايمن.

كانت مشاهد شبابي لا تفارقني، اضرب الكرة لمسافة طويلة، واركض خلفها مثل الصاروخ أو المجري بلغة كرة القدم حتى أصل إلى الهدف، ومهارتي بالاحتفاظ بالكرة والترقيص تدفعني للمغامرة حتى اسدد بمهارة واحترافية.

يا ليت شريط الذكريات لم يأتي بعد، ويا ليته لم يصحبني معه، استلمت أول كره وضربتها امامي وحاولت أن ابدع مثل ايام الشباب واركض خلفها، ولكن هذا اخر ما اتذكره من هذه المغامرة، ربما غيبوبة المخاطرة أو فقد للذاكرة لا أعرف ماذا حدث.

كل ما أتذكره هو محلول الجلوكوز في يدى وعدد من البشر يطمئنون على وانا على السريرممدد، اتى ولدي في أدب وقبل يدي، وكنت اشعر بالحرج لكنه حاول أن يحتوى الموقف بأدب التربية ونزاهة السلوك، قائلا المرة القادمة اريدك تذهب معي لكن اتمنى أن تقوم بتصوير المباراة باحترافية وترفع الفيديو على اليوتيوب.

شعرت بالسعادة مرة اخرى وما بين الحيرة والفرح وافقت واتفقنا، مرت الايام وكتب الله لي الشفاء وفي هذه المرة قررت أن اصمم فيديو احترافي ينقذني من الموقف السابق، كان لدي كاميرا لا استخدمها الا في المناسبات، اخذت الكاميرا وانطلقت ثم قمت بعمل المونتاج وإضافة اللمسات الفنية واظهرت موهبته هو وفريقه من زوايا مختلفة.

رفعت الفيديو في اليوم التالي على اليوتيوب وأخذتني غفوة، ثم استيقظت هذه المرة على خبر انتشار الفيديو الذي حقق مليون مشاهده في ساعات، واذا بالهاتف يدق لأسمع صوت مدربه، قائلا أبدعت استاذنا في اخراج الفيديو واظهار مواهب وامكانيات الفريق وقرر مجلس ادارة النادي التعاقد معكم لتصوير واخراج جميع مبارياتنا القادمة.

علم ولدى بالأمر وفي سعادة اراها في عينيه قائلا فخور بك يا أبي، تعلمت ذلك الوقت وأيقنت أن لكل مقام مقال، ولكل سن ما يناسبه، نعم يمكنك الابداع والنجاح بعد الستين ولكن لا تغامر بضرب الكرة والركض ورائها، واكتفي باصطحاب الكاميرا لتصوير المباراة واخراجها.

محطة اخيرة لم اصل إلى الخمسين لكنني تخيلت ما حدث وعشت معكم القصة، تحية من القلب لشباب الستين وما فوق الستين، فالحياة جميلة، لو تعلمنا كيف نعيشها ونختار الدور المناسب في المشهد على خشبة مسرح الحياة.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد