ليس من المنطقي افتراض أن التهديدات التي تواجه مصر تأتي من أطراف قريبة أو شائعات متداولة، بينما تكمن التحديات الحقيقية في مخططات أوسع تستهدف تفكيك المنطقة العربية وإضعاف جيوشها. وهذا يجعل الحفاظ على الأمن القومي وتعزيز الاستقرار الداخلي ضرورة ملحة لحماية الدولة ومقدراتها.
الصراع في المنطقة وبقاء إسرائيل
عندما تحدثنا عن ضرورة وجود مقاومة قوية في فلسطين ولبنان، وجيش سوري وعراقي قويين، لم يكن ذلك مجرد رأي، بل فهم لطبيعة الصراع في المنطقة. منذ عام 1948، أدرك بن غوريون أن بقاء إسرائيل مرهون بإسقاط بغداد وجيشها، ودمشق وجيشها، والقاهرة وجيشها. للأسف، نجحوا في إسقاط العراق وسوريا، ولم يتبقَ إلا مصر بجيشها القوي، الذي يجب أن نحافظ عليه بأي ثمن، وأي تهديد له يجب أن يُواجه بحزم.
التاريخ يعلمنا أن الأمن القومي المصري يبدأ من الشام
أجدادنا الفراعنة لم يكونوا ينتظرون العدو ليحاربوه على أرض مصر، بل كانوا يتصدون له في الشام، هذه قاعدة استراتيجية لم تتغير عبر التاريخ، وهي ما يصدّ المؤامرات والأطماع التي تستهدف مصر.
البعض قد يكره حماس بسبب ارتباطها بالإخوان، أو يرفض حزب الله بسبب علاقته بإيران، لكن هل ندرك أن إيران الشيعية تدعم حماس السنية لأن العدو واحد؟ نعم، لحماس سجل سيئ مع مصر في 2011 وفي سيناء، لكن القضية أكبر من ذلك. فلسطين والقدس وأمننا القومي هي الثوابت، أما السياسات فمتغيرة.
السياسة فن الممكن والتحالفات تتغير
إيران وتركيا، رغم كونهما أعداء الأمس، فإن الضرورة تفرض التعاون معهما اليوم، الصهيونية العالمية لا تفرق بين الدول الإسلامية، وتدرك أن تقسيم واضعاف القوى الثلاث الكبرى في المنطقة—الفرس، الأتراك، والفراعنة—هو السبيل لهيمنة إسرائيل.
لم يعد خافيًا أن إسرائيل هي ولاية أمريكية، وكانت تحكم من خلف الستار، لكنها الآن تعمل بشكل علني بعد نجاحها في تفكيك جيوش العراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان، تحت شعار “الربيع العربي” الذي تحول إلى فوضى هدامة. والآن، تسعى لإكمال الدائرة بشرق أوسط جديد، وإقامة “إسرائيل الكبرى”، عبر تصفية القضية الفلسطينية وترحيل سكان غزة.
مصر كانت العقبة أمام هذا المخطط
بغض النظر عن موقفك من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، فإن مصر كانت العائق الأساسي أمام “صفقة القرن” والتطبيع الإبراهيمي في عهد ترامب. لولاه، لكانت عمليات التهجير بدأت بعد اقتحام الأقصى، ولشهدنا نكبة فلسطينية ثانية.
لقد أوقف الخطر القادم من الغرب بخطوطه الحمراء، وساهم في دعم الجيش السوداني ضد حميدتي المدعوم صهيونيًا، ومنع إثيوبيا من تهديد النيل عبر تدخله في الصومال، كل ذلك كان جزءًا من مخطط صهيوني لمحاصرة مصر وإضعاف جيشها.
الداخل المصري يحتاج إلى إصلاحات عاجلة
لا يمكن إنكار الفساد والغلاء، وسيطرة المال السياسي على الأحزاب، وغياب الأولويات في صنع القرار.
الإصلاح السياسي والاقتصادي أصبح ضرورة ملحة، ولا بد من تحقيق عدالة اجتماعية حقيقية، وتوفير حياة كريمة للطبقات الكادحة من العمال والفلاحين، وضمان حقوق أبنائهم في التعليم والتوظيف.
كذلك، لا بد من إزاحة بعض الوجوه السياسية والإعلامية التي استغلت الوضع لتحقيق مكاسب شخصية على حساب الشعب.
من المؤكد أن الأجهزة السيادية تراقب وترصد كل ما يحدث، والأمل معقود على اتخاذ قرارات جريئة لإصلاح الوضع قبل فوات الأوان.