شم النسيم في “نبروه”.. رحلة في عاصمة الفسيخ في مصر، وحوارات مع فسخانيين “نبروه”

 

مدينة نبروه

مدينة “نبروه” أو كما يسميها البعض “مدينة الفسيخ”، هى المدينة الأشهر في مصر بتجارة “الفسيخ” على مدى عـقود إلا أنه في العشر سنوات الأخيرة بدأت تظهر بها تجارات أخرى لتشتهر بها “نبروه” بجوار “الفسيخ”، وبالرغم من تعدد هذه التجارات إلا أن “الفسيخ” كان وما يزال أهم ما يميز مدينة “نبروه” دوناً عن كل مدن مصر. ومن المعروف أن لأكل الفسيخ عند المصريين قيمة خاصة في نفوسهم، وخاصة في كل عيد “شم نسيم” من السنة.

صناعة وتجارة في نبروه

أما بالنسبة لتجارة الفسيخ في نبروه فهي مهنة لها أهميتها منذ عقود طويلة، بل أن هناك عائلات ورثت هذه المهنة والصناعة لأولادهم وأحفادهم حتى يومنا هذا، كان من بين هذه العائلات من كانوا أول من بدأو هذه الصناعة في نبروه، مما جعل نبروه تتميز عن غيرها في صناعة الفسيخ، فهناك العديد من المدن في مصر تقوم بتصنيع الفسيخ منها “كفرالشيخ” و”بلقاس” و”المحلة” و”سمنود” و”دمياط”، إلا أن مدينة “نبروه” تتصدر قائمة هذه المدن المُصنعة لـ”الفسيخ”، لما لها من سبق وخبرة ومهارة في صناعته؛ لذلك يرتادها العديد من المشاهير في كافة المجالات الرياضية والفنية والإعلامية في كل عيد “شم نسيم” وأحياناً أخرى في غير هذه المناسبة.

مدينة الفسيخ “نبروه” بها من محلات الفسيخ 34 محلاً في مختلف أنحاء المدينة، من بين هذه المحلات وتجارها وأصحابها من ورث هذه المهنة عن آبائه وأجداده حتى اشتهرت العائلة بتجارة الفسيخ، إلا أنه قد لوحظ في الفترة الأخيرة، وخصوصاً قبل عيد “شـم النسيم” الماضى ومن بعده، زيادة الإقبال على إفتتاح محلات الفسيخ في المدينة، فمن بين هؤلاء الـ34 محلاً في نبروه 8 محلات أُفتتحت في الفترة الأخيرة حيث من “شم النسيم” الماضى وحتى الأشهر القليلة الماضية، إلا أن روح الأصالة في الصناعة لا تزال موجودة في الفسيخ “النبراوى”.

طريقة عمل الفسيخ

وطريقة عمل الفسيخ هى واحدة في صناعته، إلا قد تختلف طريقة أكله من مجتمع لآخر، وصناعة “الفسيخ” هى عبارة عن تمليح السمك “البورى” أو “الطوبار” لكن الإختلاف في الطعم يكون بإختلاف درجة الحفظ ومدته وكمية الملح الذي أُستخدم في التمليح، أما بالنسبة لأكل السمك فالطريقة الشائعة في نبروه لأكل الفسيخ هى أكله بالعيش ومعه الليمون والبصل، ولكن في محافظات أخرى يؤكل الفسيخ بشكل مختلف فمن الناس من يأكله بـ”الأرز” ومن الناس من يأكله ومعه “الشيبسى”، ولكن تظل الطريقة “النبراوى” هى الأكثر إنتشاراً في مصر؛ وكما قلنا طريقة صناعة الفسيخ واحدة فما هى إلا مجرد تمليح ولكنه يحتاج إلى خبرة في هذا العمل، أنواع أسماك التمليح هى سمك “البورى” أو “العفر” (السمك الأكبر الكيلو منه حوإلى سمكتان) وسمك “الطوبار” (السمك الأصغر الكيلو منه حوإلى خمس سمكات)، وتأتى الأسماك من المزارع مثل البورصة في كفر الشيخ أو سوق دمياط، وبالنسبة لصناعة الفسيخ فهو يترك في الصيف حوإلى 7 أيام في التمليح بالبراميل حتى يكون جاهزا للإستعمال بينما في الشتاء يترك حوإلى 25 يوماً في التمليح بالبراميل حتى يكون جاهزا للإستعمال والأكل، وترتفع أسعار الفسيخ في نبروه قرب شم النسيم حوإلى 10 أو 15 جنيهاً، وذلك لزيادة الطلب على السمك وبالتإلى زيادة أسعار السمك في الأسواق فيضطر الفسخانى إلى رفع سعر الفسيخ، إلا أن هذا العام ارتفعت الأسعار بمعدل وصل أحياناً الي ضعف ثمنه في الأيام العادية؛ حيث يبدأ إرتفاع الأسعار قبل عيد شم النسيم بشهر ويظل مرتفعاً بعده بشهر أيضاً إلى أن يعود سعر السمك إلى سعره المعتاد فيرجع معه سعر الفسيخ، ويبدأ سعر كيلو الفسيخ في نبروه من “40 جنيه” لكيلو الفسيخ الصغير حتى أكبر وأجود وأفضل كيلو فسيخ عند “70 جنيه”، وهو أقصى سعر لكيلو “الفسيخ” في “نـبروه” في الأيام العادية.

ويختلف تمليح الشتاء عن تمليح الصيف، حيث يتأخر الفسيخ قليلا في وقت صناعتة في الصيف فيترك 3 أيام بعد غسله ورصه بالبراميل، بينما في الشتاء يترك يوما واحدا بعد غسله ورصه بالبراميل؛ فالبرد يؤخر التمليح ففي الصيف (يِستِوى) السمك بسرعة؛ وبعدما يستوى السمك ويكون جاهزاً للبيع يوضع عليه “شـِـرشـة” (مية بملح) تزود عليه خلال فترة تركه للبيع في المحل، ويتحكم الفسخانى في طعم الفسيخة فإذا كانت الفسيخة المطلوبة (سايحة) تترك فترة أطول بعد غسلها ورصها بالبراميل مع تقليل الملح لها، وإذا كانت الفسيخة المطلوبة (ناشـفة) تترك فترة قصيرة في البراميل بعد غسلها مع تزويد الملح لها، وكذلك يتحكم الفسخانى في مدى ملوحة الفسيخة عن طريق كمية الملح الموضوع على السمك ومدة التمليح؛ ومن المعروف أنه كلما كانت الفسيخة قديمة كانت ذات مذاق أفضل ولكن للفسيخ مدة صلاحية هى 6 أشهر منذ تاريخ صلاحيته للبيع والأكل ولكن يجب على الفسخانى مراعاة درجة حرارة مناسبة لحفظ الفسيخ في البراميل اثناء بيعه في المحل، ويباع الفسيخ مهما كانت كميته المطلوبة في “لـفـف” وأحياناً (يَرُش) الفسخانى بعض الملح على الفسيخ قبل لفه حتى إذا ما كان يفضله الزبون أكثر ملوحة.. ولنتعرف أكثر على “الفسيخ” وعن أهم المدن تصنيعا له “نبروه” كان لنا حوارنا مع العديد من تجار وأصحاب محلات الفسيخ في نبروه.

فسخانيين نبروه، وشكاوي من غلاء الأسعار هذا العام

فسخاني مرحباً.. أهلاً بك في نبروه، عند فسخاني المشاهير

فسخانى “مرحباً” لصحابه المرحوم الحاج “إيهاب اليمانى”، هو أحد أهم محلات الفسيخ في نبروه أُفتتح منذ 29 عـاماً، وهذا المحل كثيراً ما يرتاده العديد من المشاهير في مختلف المجالات قبل “شم النسيم” وفي أحيان أخرى من السنة، وهذا المحل أيضاً تذهب إليه العديد من القنوات الفضائية في كل عيد “شم نسيم” للتصوير فيه؛ يقول الحاج “شريف اليمانى”: هذه المسألة مسألة أرزاق والأرزاق بيد الله ومدينة نبروه كل تجار الفسيخ بها أناس محترمون جداً، وأهم شيء في هذه المهنة هو الأمانة ومراعاة الله فكل هذه الأمور من تقوى الله، ويقول الله عز وجل “ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويزقه من حيث لا يحتسب” صدق الله العظيم، لذلك فهذه المٍسألة من أولها لآخرها بيد الله وتوفيق من عنده ونسأله أن يوفقنا إلى كل ما يحبه ويرضاه، وأسأل الله أن يرزق كل يسعى على بيته ونفسه فالله هو الرزاق الكريم، وبالنسبة غلى التجارات الأخرى التي بدأت تظهر في نبروه فهذا أمرا رائع مادمت هذه التجارات مشروعة، وظهور تجارات أخرى تشتهر بها نبروه بجانب الفسيخ أمرا مُـفرح، اسأل الله أن يتمه على خير وأن يرزق كل عباده أنه هو الرزاق الكريم، سعيد بأن يكون بنبروه أكبر سوق “إكسسوارات محمول” في مصر، بجوار صناعة الفسيخ، وهذا أمر فيه الخير للجميع، وأنا أسعد بشدة عندما أرى أى محل أو مشروع يفتتح في نبروه فهو خيراً للمدينة وخيراً لأهاليها.

المرحوم الحاج “إيهاب اليماني” صاحب فسخاني “مرحباً”

 

“شريف اليماني” فسخاني “مرحباً”
فسخاني مرحباًً

 

الحاجة أم سعيد للوازم أكلة الفسيخ.. لمون وبصل وعيش

أما وأنت خارج من محل “مرحباً” فستجد أمامك الحاجة “عزيزة على الحوتى” أو “أم سعيد” كما يعرفها الناس بهذا الأسم، السيدة التي بلغت من العمر 72 سنة، أمضت منها 33 عاماً من حياتها في هذا الكشك الخشبى الذي تبيع به (لمون وبصل وعيش)، سعيا على قوت بناتها الأربعة وأبنها “سعيد”، نجحت في أن تستر أسرتها وتنفق عليها وأن تزوج بناتها الأربعة وإبنها سعيد بل وزوجت ثلاثة أيضاً من أحفادها من هذا الكشك الخشبى الذي تبيع به اللمون والبصل والعيش، والآن الحاجة “أم سعيد” أصبحت سيدة عجوز ومع ذلك فإنها لن تتوقف عن العمل وتنتظر من أحد أن يمد يده لها بل استمرت في السعى على الرزق ومعها إبنتها “سوسو السعيد العدوى” التي كانت تقف معها في هذا الكشك وحتى اليوم، لتساعد أمها في السعى على رزق بناتها الأربعة وإبنها حتى نجحت في أن تزوج بناتها وأن تساعد “سعيد” على أن يكمل تعليمه من هذه الشغلة البسيطة.

الحاجة “أم سعيد” للوزام أكل الفسيخ
الحاجة “أم سعيد” للوزام أكل الفسيخ
“سوسو” ابنة الحاجة “أم سعيد” للوزام أكل الفسيخ
“سوسو” الحاجة “أم سعيد” للوزام أكل الفسيخ

 

 

“الملاح” فسخاني بالوراثة، ولا يوجد فسيخ ينافس الفسيخ النبراوي

فسخانى “قاصد كريم” لصاحبه الحاج “محمد الملاح” وأولاده، هو أحد أقدم وأهم محلات الفسيخ في نبروه، فقد ورث الحاج “محمد الملاح” هذه المهنة عن أجداده الذين كانوا من أول تجار الفسيخ في نبروه، وأحد من كان لهم السبق في صناعة الأسماك المملحة منذ عقود في نبروه؛ ويقول “رجب الملاح” وهو عامل بصناعة الفسيخ منذ 27 عاماً وراثة عن عائلة الملاح الشهيرة بصناعة وتجارة الفسيخ: الفسيخ مهنة قديمة عند عائلة الملاح من الأجداد ومنذ أول نشأة الفسيخ في نبروه، والفسيخ هنا في نبروه له قيمته الخاصة فهو أقوى من أى تجارة أخرى في نبروه لأنه التجارة الأقدم والتي تخصص بها أهإلى نبروه، وفي أى مكاناً آخر لايوجد فسيخ يضاهى وينافس الفسيخ النبراوى، فالفسيخ في “كفر الشيخ” معروف بأنه من النوع “الناشف” حيث يفضله الناس هناك كذلك والفسيخ في نبروه معروف بأنه من النوع الفاخر و”السايح”، لذلك كان يجب أن تكون تجارة الفسيخ هى الأهم في مدينة نبروه، وأضاف “رجب الملاح”: أنا أعمل مع الحاج “محمد الملاح” منذ عام 1989 أى منذ 28 عاما، ولم أفكر في أن أفتح محل خاص ملكى، الآن كثرت محلات الفسيخ وخصوصاً في الفترة الأخيرة ولكن الخبرة تفرق، وأهلا بأى تجارة أخرى حلال مادامت تحمل الخير لصاحبها والناس، فالتجارة بالحلال أدوم وأبقى من أى تجارة أخرى مهما كانت. وأكمل حديثه عن سعر الفسيخ هذا العام: بأن الأسعار هي الأغلي منذ أن عمل بالفسيخ من 27 عاماً.

“رجب الملاح” فسخاني “الملاح”

 

فسخاني “ابن البلد”.. نظافة الأكل هي أهم شيء، ونستعين بالمبرد في محلنا حفاظاً على النظافة والصحة

وإذا ما ذهبت إلى نبروه هو أول محل فسخانى يمكن أن تقابله في نبروه، حيث يحتل مكانه مدخل نبروه من ناحية الكوبرى العلوى، هو فسخانى “إبن البلد” لصاحبه الحاج “أحمد أبو كاملة” وأولاده، وهو أحد أبرز محلات الفسيخ التي أُفتتحت في السنوات الأخيرة في نبروه، يقول الحاج “أحمد أبو كاملة”: قرب كل عيد شم نسيم ربما ترتفع أسعار الفسيخ بعض الشيء حوالي 10 جنيهات كل سنة إلا أن هذه السنة كانت الأسعار مفاجأة لنا سواء حتى نحن التجار، وذلك بسبب ارتفاع أسعار السمك في البورصة نفسها، وقد وصل سعر كيلو السمك هذا الموسم من 100 إلى 120 تقريباً، لذلك كان هذا الموسم خامداً، وأضاف “أبو كاملة”: أن أهم من سعر والمؤثر الحقيقى هو جودة ونظافة صناعته، نظافة الأكل هى أهم شيء حتى يكون صحياً ولذيذاً لذلك نحفظ الفسيخ في درجات حرارة مناسبة له، لأن الحرارة يمكن أن “تـتـلـف” السمك، وتجعله غير صحى وضار، لذلك نستعين بالمبرد في محلنا حفاظاً على نظافة وصحة الفسيخ بحيث تصل للسمك درجة حرارة مناسبة لحفظه، كل تجارة أهم شيء فيها “مراعاة الله”، وكيف لتجارة منذ سنوات طويلة أشتهرت بها مدينة على مستوى مصر أن تختفي أمام تجارات أخرى ظهرت فجأة.

الحاج “أحمد أبو كاملة” فسخاني “ابن البلد”
“أحمد محمد أبو كاملة” فسخاني “ابن البلد”

 

الصياد.. الفسيخ “شغلانة أصيلة” في هذا البلد، ولا يستطيع أى أحد أو أى تجارة أخرى أن تنافس تجارة الفسيخ في نبروه.

فسخانى “الصياد” لصاحبه “أحمد جـودة شولح”، هو أحد المحلات التي أفتتحت حديثاً أيضاً خلال الثلاث سنوات الأخيرة، لكن صاحبه له خبرة تصل إلى 15 سنة في مهنة صناعة الفسيخ، وهو شاب أفتتح هذه المحل منذ 4 أشهر، ويدير المحل هو وأخوته، يقول “أحمد جودة شولح”: هذا أول عيد شم نسيم ترتفع فيه الأسعار هكذا، لكن ما باليد الحيلة، والحمد لله كان هناك سوق وعمل للفسيخ، ولكن طبعاً ليس كالعامين الماضيين. كما أضاف: ونحن نستعد لهذا العيد بتجهيز البراميل، وتجهيز المحل ووكفايته بالكميات المتوقع أن تكون مطلوبة من زبائن المحل، ونقوم بتجهيز المحل لإستقبال الزبائن في “شم النسيم” وسط الإقبال منهم من جميع محافظات مصر، وهذا معروف عن نبروه دائماً بأنه يأتى إليها الناس من جميع المحافظات بلا إستثناء ويأتى العديد من الشخصيات العامة، ولا يستطيع أى أحد أو أى تجارة أخرى أن تنافس تجارة الفسيخ في نبروه لأنها “شغلانة أصيلة” في هذه البلد.

 

“أحمد جودة شولح” فسخاني “الصياد”

قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد