أول رد لدار الإفتاء المصرية على فتوى الهلالي بتحريم بعض الفقهاء أكل الجمبري والاستاكوزا ونوع من الأسماك

ما زالت الفتاوى التي وصفها الأزهر الشريف وعلماء الأوقاف بالشاذة مستمرة، فلم تمر إلا أيام على فتوى الدكتور صبري عبد الرؤوف بجواز مضاجعة الرجل لزوجته المتوفية فيما يعرف بمعاشرة الوداع، والتي أثارت جدلاً كبيراً في الشارع المصري حينها متعجبين من مثل هذه الفتاوى، وبعدها مباشرة خرجت الدكتورة سعاد صالح بفتوى أخرى أثارت الجدل للمرة الثانية، حيث أكدت على جواز معاشرة الإنسان للحيوانات، وتسببت هذه الفتوى في هجوم شديد عليها، لأن هذا أمر تأباه النفس البشرية السوية، وهذا إلى جانب أن الفقها أجمعوا على حرمة هذا الأمر.

وتسببت فتوى صالح وعبد الرؤوف في تحويلهما إلى التحقيق، وهجوم شديد عليهما من جامعة الأزهر التي ينتسبون إليها، وخرجت بعد ذلك الدكتورة سعاد صالح واعتذرت عن هذه الفتوى وقالت لا أعلم كيف خرج مني هذا الكلام، وأعتذرت للبرنامج والقناه والمصريين، وأضافت أنه ليس عيب أن يرجع العالم في فتواه إذا ثبت  له خطأها.

واليوم خرج الدكتور سعد الدين الهلالي الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف ليثير الجدل هو الآخر، حيث خرج في برنامج وإن أفتوك الذي يذاع على قناة “أون إي”وقال أن مذهب الأحناف حرم أكل الجمبري والاستاكوزا والسمك الذي يطفو على سطح الماء، مما جعل دار الإفتاء تخرج بفتوى رسمية وتؤكد أن جميع الفقها أحلوا أكل الجمبري والاستاكوزا ولا يوجد خلاف بين الفقهاء في ذلك، وجاء نصف الفتوى كالتالي:

قالت دار الإفتاء المصرية، إن أكل الجمبري حلالٌ عند جميع الفقهاء، ومنهم الحنفية، والصحيح أنه لا خلاف في ذلك عندهم؛ لاتفاق أهل اللغة وغيرهم على أنه نوع من السمك، وكل أنواع السمك وأصنافه حلال بالإجماع.

واستشهدت الدار في فتوى لها، بقول الله تعالى: «أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ» (المائدة:96)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في البحر: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته». رواه أصحاب السنن.

وأوضحت الإفتاء، أن اسم “الجمبري” في اللغة العربية الفصحى -كما هو في معاجم اللغة العربية قديمًا وحديثًا-: “الإِرْبِيَانُ” بكسر الهمزة، وفتح همزته لحنٌ، كما نصف عليه ابن قتيبة في “أدب الكاتب”، مضيفة فهو عينُه “الإِرْبِيَانُ” و”الرُّوْبِيَانُ” المنصوصُ عليهما في كتب السابقين من أهل اللغة والفقه والحيوان والطب وغير ذلك، كما يُعْلَم مِن النقل السابق عن العلّامة ابن البيطار، وكما يُعْلَمُ مِن وصف “الإِربِيان” و”الرُّوبِيَان” في كتب السابقين؛ حيث يصفه الصاحب بن عباد بأنه: سمك أحمر نحو الإصبع المعقوفة، ويصفه الجوهري والفيروزابادي بأنه: أبيض كالدود، ويصفه الدميري بأنه: صغير جدًّا أحمر، ويصفه داود الآنطاكي بأنه: أحمر كثير الأرجل نحو السرطان لكنه أكثر لحمًا.

وتابعت: وجاء في “معجم الألفاظ الزراعية” لمصطفي الشهابي (ص: 197، ط. مكتبة لبنان): [الإربيانُ: ضَرْبٌ مِن السَّمَك، وهو القُرَيْدِسُ في الشام، والجمبري في مصر].

وأشارت إلى أن الإمامية نقلوا ذلك في كتبهم عن الإمام الحسين السبط رضي الله عنه [ت61ـ]، وموسى الكاظم رحمه الله [ت183]؛ حيث أورد العلامة العاملي في كتابه “تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة” (24/141-142، ط. مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث): عن الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام أن رجلًا سأله عن الإِرْبِيَان، وقال هذا يُتَّخَذُ منه شيءٌ يُقال له “الرِّبِّيثا”، فقال: “كُلْ؛ فإنه مِن جنس السمك”، ثم قال: “أمَا تَراها تَقَلْقَلُ في قشرها”، وعن الإمام أبي الحسن موسى الكاظم أنه قيل له: ما تقول في أكل الإِرْبِيَان؟ فقال: “لا بأس بذلك، والإِرْبِيَانُ ضَرْبٌ مِن السمك”.

وذكرت الإفتاء ما نصف عليه الحنفية على إباحة أكل جميع أنواع السمك، من غير تفريق بين نوعٍ ونوع، قال الإمام السرخسي في المبسوط (11/248، ط. دار المعرفة): [جَمِيعُ أَنْوَاعِ السَّمَكِ حَلَالٌ؛ الْجِرِّيثُ وَالْمَارِهِيجُ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ].

ونوهت بأن علة القول بإباحة أنواع السمك المختلفة عند الحنفية: اندراجُها تحت اسم “السمك” في اللغة، قال العلامة العيني الحنفي في “البناية شرح الهداية” (10/730، ط. دار الفكر): [(وقال: ولا بأس بأكل الجِرِّيث والمارما هي وأنواع السمك والجراد من غير ذكاة) وقال القدوري رَحِمَهُ اللهُ: والجِرِّيثُ بكسر الجيم وتشديد الراء بعده آخر الحروف ساكنة وفي آخره ثاء مثلثة. قال في كتب اللغة: هو نوع من السمك.. قلت: الجِرِّيث: السمك السود: والمارماهي: السمكة التي تكون في صورة الحية، و”ماهي”: هو السمك، وإنما أحل أنواع السمك لعموم قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أحلت لنا ميتتان» الحديث].

ولفتت إلى أن الإمام الكاساني الحنفي نقل الإجماع على حل جميع أنواع السمك من غير فرق بين نوع وآخر؛ فقال في “بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع” (5/36، ط. دار الكتب العلمية): [ويستوي في حل الأكل جميعُ أنواع السمك من الجريث والمارما هي وغيرهما؛ لأن ما ذكرنا من الدلائل في إباحة السمك لا يفصل بين سمكٍ وسمكٍ إلا ما خُصَّ بدليل، وقد رُوي عن سيدنا على وابن عباس رضي الله عنهما إباحة الجِرِّيث والسمك الذَّكَر، ولم يُنْقل عن غيرهما خلافُ ذلك، فيكون إجماعًا].

واستطردت: ونقل الإجماعَ على إباحة السمك بكلِّ أنواعه كذلك غيرُ واحد من العلماء: قال الإمام النووي في “شرح مسلم” (13/86، ط. دار إحياء التراث العربي): [وقد أجمع المسلمون على إباحة السمك]. وقال الحافظ ابن حجر في “فتح الباري” (9/619، ط. دار المعرفة): [لا خلاف بين العلماء في حِلِّ السمك على اختلاف أنواعه].

وأفادت: فكلُّ ما كان من جنس السمك -لغةً وعرفًا- فهو حلالٌ عند الحنفية بلا خلاف في ذلك، وجاء في نصوص علمائهم التصريحُ بحلِّ أكل الرُّوبِيَان بخصوصه مع غيره مِن أنواع السمك بلا خلاف؛ لدخوله في مُسمَّى “السمك” لغةً وعرفًا، وسبق سياق نصف العلامة الفيروزابادي -وهو من علماء الحنفية- على أن الإِرْبِيَان مِن السمك. وهذا هو ما عليه العمل والفتوى لدى علماء الحنفية في الديار الهندية والباكستانية وغيرها.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد

2 تعليقات
  1. غير معروف يقول

    يعنى ايه بكالوريوس آداب قسم فلسفة
    دي شهادة جديدة

  2. طارق يقول

    يحرمون متى يشائون ويحللون متى يشائون. لأن مفاتيح الجنة وجهنم في أيديهم.
    بصراحة أنا تعبت من هذه الفتاوي التي تفاجئنا كل يوم.
    بينما كتاب الله واضح والرسالة فات عليها أكثر من 15 قرن. وكل شيئ كان فيها واضح.
    علماء الفضائيات علماء أخر زمن. والمصيبة انهم وجدوا بهائم تصدقهم