هل تحل التعديلات المقترحة أزمة قانون الإيجار القديم؟

قبل الحديث عن تعديلات قانون الإيجار القديم علينا معرفة ما هو الوضع القانوني الحالي لعقود الإيجار.

بدايةٌ من 31/1/1996 تاريخ العمل بالقانون رقم 4 لسنة 1996 خضعت كافة عقود الإيجار المبرمة بداية من هذا التاريخ لقواعد القانون المدني والتي يحكمها مبدأي سلطان الإرادة، والعقد شريعة المتعاقدين أي بمعنى حرية طرفي العقد المالك – المؤجر- والمستأجر في وضع الشروط التي يرتضيها في عقد الإيجار أي أنه يحق لهم تحديد الأجرة، وتحديد مدة الإيجار- أكبر مشكلتين حاليتين-. ولكن استمرت الأزمة قائمة بالنسبة لعقود الإيجار المبرمة قبل 31/1/1996 وظلت خاضعة للقانون رقم 49 لسنة 1977 والمعدل بالقانون رقم 136 لسنة 1981.

وهذا يعني أن العقود المبرمة بداية من 31/1/1996 لا تثير المشكلات لأن من يحدد بنودها أطرافها دون تدخل من الدولة. أما القوانين المبرمة قبل 31/1/1996 هي التي تثير المشكلات وخاصة الأجرة الثابتة، وامتداد عقد الإيجار حتى بعد انتهاء مدته.

لماذا العقود التي تخضع للقانون رقم 49 لسنة 1977 والمعدل بالقانون رقم 136 لسنة 1981 تثير هذه المشكلات؟

 لأن هذه القوانين قوانين خاصة قواعدها قواعد آمرة تتعلق بالنظام العام لا يجوز مخالفتها.

 كما أن هذه القوانين بها الكثير من القيود على المالك تكاد تنزع عنه صفة الملكية فعلى سبيل المثال تنص المادة رقم (7) من القانون رقم 49 لسنة 1977 على ” للعامل المنقول إلى بلد بدلًا من عامل آخر في ذات جهة العمل حق الأولوية على غيره في استئجار المسكن الذي كان يشغله هذا العامل إذا قام بإعلان المؤجر في مدى أسبوعين على الأكثر من تاريخ الإخلاء برغبته في ذلك بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول، على أن يعزز ذلك عن طريق الجهة التي يعمل بها المتبادلان، ويحظر على المالك التعاقد قبل انتهاء هذه المدة” مما يمثل قيد على حرية المالك في اختيار شخص المستأجر، وجاءت المادة رقم (8) من ذات القانون لتنص على” لا يجوز لشخص أن يحتجز في البلد الواحد أكثر من مسكن دون مقتض ولا يجوز إبقاء المساكن المعدة للاستغلال خالية مدة تزيد على أربعة اشهر إذا تقدم لاستئجارها مستأجر بالأجرة القانونية، ويعتبر في حكم إبقاء المساكن خالية التراخي عمدًا عن إعدادها للاستغلال………” مما يعني أن المالك بمجرد إقامة المبنى يصبح مهيأً للمستأجر ولا يجوز أن يتركه المالك دون استغلال مدة تزيد على أربعة أشهر، ليس هذا فحسب بل على المؤجر أن يسارع في إعداداها، ونصت المادة(9) من ذات القانون على ” استمرار العمل بالأحكام المحددة للأجرة والأحكام المقررة على مخالفتها بالقانون رقم (131) لسنة 1947 …….والقانون رقم (169) لسنة 1961 بتقرير بعض الإعفاءات من الضريبة على العقارات المبنية وخفض الإيجارات بمقدار الإعفاءات ……” مما يمثل قيد على حرية المؤجر في تحديد الأجرة الملائمة للوحدة محل الإيجار، وأكدت على هذا المادة(10) من ذات القانون التي نصت على ” يجب على من يرغب في إقامة مبنى أن يرفق بطلب الترخيص له بالبناء المقدم إلى جهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم بيانًا بقيمة الأرض والمباني…..ومقترحاته عن أجرة المبنى وتوزيعها على وحداته…..” وتدخل الدولة لتحديد الأجرة من خلال لجان فنصت المادة (12) من ذات القانون على ” يتولى تحديد أجرة الأماكن الخاضعة لهذا القانون وتوزيعه على وحداته لجان يصدر بتشكيلها قرار من المحافظ المختص…..” وكذا نصت المادة (13) من ذات القانون على ” على مالك البناء في موعد لا يجاوز ثلاثين يومًا من تاريخ نفاذ أول عقد إيجار أية وحدة من وحدات المبنى أو من تاريخ شغلها ……أن يخطر اللجنة …. لتقوم اللجنة بتحديد أجرته وتوزيعه على وحداتهويجوز للجنة أن تقوم بالتقدير من تلقاء نفسها…..”وفي امتداد عقد الإيجار رغم انتهاء مدته أو وفاة المستأجر نصت المادة (29) من ذات القانون على “…. لا ينتهي عقد الإيجار بوفاة المستأجر أو تركه العين إذا بقي فيها زوجه أو أولاده الذين كانوا يقيمون معه حتى الوفاة أو الترك، وفيما عدا هؤلاء من أقارب المستأجر نسبًا أو مصاهرة حتى الدرجة الثالثة، يشترط لاستمرار عقد الإيجار إقامتهم في المسكن مدة سنة على الأقل سابقة على وفاة المستأجر أو تركه العين أو مدة شغله للمسكن أيتهما أقل فإذا كانت العين مؤجرة لمزاولة نشاط تجاري أو صناعي أو مهني أو حرفي فلا ينتهي العقد بوفاة المستأجر أو تركه العين ويستمر لصالح ورثته وشركائه في استعمال العين بحسب الأحوال …..”. ونصت المادة (76) من ذات القانون على ” يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على ستة أشهر …. كل من يخالف أحكام المواد (1/7)، (8)، (1/13)، (24)، (25) من هذا القانون”. وجاء القانون 136 لسنة 1981 ليكمل ما بدأه القانون49 لسنة 1977 فنصت المادة (1) منه على “… لا يجوز أن تزيد الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى اعتبارًا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون على 7% من قيمة الأرض والمباني…..” ونصت المادة (18) من ذات القانون على ” لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد إلا لأحد الأسباب الآتية: الهدم الكلي أو الجزئي للمنشآت الآيلة للسقوط…إذا لم يقم المستأجر بالوفاء بالأجرة المستحقة خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ تكليفه….إذا ثبت أن المستأجر قد تنازل عن المكان المؤجر، أو أجره من الباطن بدون أذن كتابي صريح من المالك للمستأجر الأصلي….إذا ثبت بحكم قضائي نهائي أن المستأجر استعمل المكان المؤجر أو سمح باستعماله بطريقة مقلقة للراحة أو ضارة بسلامة المبنى أو بالصحة العامة أو في أغراض منافية للآداب العامة،…….” .

ويتضح مما سبق أن الدولة تدخلت في وضع حد أقصى للأجرة لكنها لم تكتف بذلك وفرضت امتداد عقد الإيجار حتى بانتهاء مدته أو وفاة المستأجر وفرقت بين الوحدات المخصصة لأغراض السكنى وما إذا كانت العين المؤجرة مخصصة لنشاط تجاري أو صناعي أو حرفي أو مهني.

بالنسبة للعين المؤجرة لأغراض السكنى، القواعد العامة في القانون المدني لا ينتهي عقد الإيجار بوفاة المستأجر، وينتقل الحق فيه لورثته الشرعيين حتى وإن كانوا غير مقيمين معه إلا أن هذا ينطبق على المدة الأصلية فقط للعقد أما الامتداد القانوني لعقد الإيجار بعد انقضاء مدته فتصدى له القانون رقم 49 لسنة 1977 وتحديدًا في مادته رقم (8) آنفة الذكر حيث فرقت هذه المادة في المعاملة بين أفراد أسرة المستأجر كالآتي:-

  • يمتد الإيجار لزوج المستأجر وأولاده ووالداه دون شرط أن يكونوا مقيمين مع المستأجر مدة سابقة.
  • بالنسبة لأقارب المستأجر حتى الدرجة الثالثة يشترط أن يكونوا قد أقاموا مع المستأجر لمدة سنة قبل الوفاة أو لمدة شغل المستأجر للعين المؤجرة إذا كانت أقل من سنة.
  • ولا يمتد لأقارب المستأجر بعد الدرجة الثالثة.
  • امتداد عقد الإيجار للأقارب بالمصاهرة وقضت المحكمة الدستورية عدم دستورية امتداد عقد الإيجار للأقارب بالمصاهرة في حالة ترك المستأجر للعين فقط وليس في حالة الوفاة.
  • ويشترط لمن يرغب في استمرار عقد الإيجار ألا يكون له مسكن آخر في البلد ذاته.

أما بالنسبة للعين المؤجرة لمزاولة نشاط تجاري أو صناعي أو حرفي أو مهني فنص القانون رقم (6) لسنة 1997على ” إذا كانت العين مؤجرة لمزاولة نشاط تجاري أو صناعي أو مهني أو حرفي، فلا ينتهي العقد بموت المستأجر، ويستمر لمصلحة الذين يستعملون العين من ورثته في ذات النشاط الذي كان يمارسه المستأجر الأصلي طبقًا للعقد، أزواجًا وأقارب حتى الدرجة الثانية، ذكورًا وإناثًا من قصر وبلغ، ويستوي في ذلك أن يكون الاستعمال بالذات أو بواسطة نائب عنهم” ويسري هذا النص اعتبارًا من تاريخ العمل بالقانون رقم 49 لسنة 1977 أي يسري بأثر رجعي، ولا يستفيد من الامتداد القانوني لعقد الإيجار إلا الزوج أو الوارث حتى الدرجة الثانية، وأن يكون الوراث مستمرًا في استعمال العين غير منقطع علاقته بالعين، ويشترط أن يستمر في مزاولة ذات نشاط المستأجر الأصلي.

وبررت الدولة تدخلها في الإيجار عبر تقرير تشريعات خاصة له دون قواعد القانون المدني لمواجهة أزمات في السكن بداية من الحربين العالميتين، وقلة المعروض من الوحدات المخصصة للسكن وزيادة الطلب، واستغلال بعض الملاك حاجة المستأجرين والمغالاة في تحديد القيمة الإيجارية، وإذا كان تدخل الدولة استثناءًا من الأصل العام لمواجهة بعض الأزمات فأزمات السكن أصبحت الأصل ومن ثم تحولت قوانين الإيجار الخاصة إلى الأصل وليس الاستثناء. وترد الدولة كذلك على من يسمون أنفسهم – المؤجرين المضارين من قانون الإيجار القديم- أنهم أقدموا على تأجير وحداتهم وهم يعلمون بشروط قوانين الإيجار وأنها تحدد الحد الأقصى للإيجار وتسمح بامتداد عقد الإيجار عقب انتهاء مدته، إلا أنهم يردون بأنهم يستثمرون أموالهم كما أن هذه القوانين فرضت عليهم أن يقوموا باستغلال هذه الوحدات وفقًا للمادة (8) من القانون رقم 49 لسنة 1977 والتي نصت على ” لا يجوز إبقاء المساكن المعدة للاستغلال خالية لمدة تزيد على أربعة أشهر إذا تقدم لاستئجارها مستأجر بالأجرة القانونية” فعن أي حرية تتحدث الدولة للمؤجر في أي يؤجر وحداته أم لا، وكذلك نصت ذات المادة على ” لا يجوز للشخص أن يحتجز في البلد الواحد أكثر من مسكن دون مقتضى” كما نصت المادة (7) على ” وفي البلد الواحد يجوز تبادل الوحدات السكنية بين مستأجر وآخر…” كما يزيد من الطين بله أنه في حالة امتلاك المستأجر لوحدة لا يستطيع أن يطلب المؤجر إخلاء العين المؤجرة بل اشترط القانون أن يقيم المستأجر مبنى ويكون للمستأجر أكثر من ثلاث وحدات ويستطيع المستأجر توقي الإخلاء في حالة أنه اشترى المبنى ولم يقيمه هو أو أن يكون آل إليه بالوراثة أو الهبة أو أنه أقام ثلاث وحدات فقط وليس أكثر أو أن يعرض على المالك وحدة من الوحدات التي أقامها وفي هذا خروجًا كبيرًا عن الغرض الذي أصدرت من أجله تلك القوانين وهو حماية المستأجر لتحقيق الوظيفة الاجتماعية إلا أن الدولة قدمت الدعم للمستأجرين دون أن تدفع مقابل ما قدمته إلى الحد الذي بلغ معه تحكم المستأجر في المالك، ويرد كذلك المؤجرين بأن أكبر دليل على خطأ الدولة متمثلة في أحد سلطاتها وهي السلطة التشريعية هو صدور القانون رقم 4 لسنة 1996 والذي نص على خضوع كافة عقود الإيجار اعتبارًا من 31/1/1996 لقواعد القانون المدني أي أنه أعاد الشيء لأصله.

وقرر مجلس الوزراء الموافقة على مشروع قانون بشأن بعض أحكام إخلاء الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لغير أغراض السكنى         – الشخص الاعتباري كالدولة والشركات والمؤسسات وغيرها…- إلا أن هذه الموافقة والتي لا تخص الأشخاص الطبيعية أو الاعتبارية المستأجرين لأغراض السكنى إلا أنه ثار الجدل مجددًا حول التعديلات المقترحة لقانون الإيجار القديم ومنها تحديد زيادة تدريجية في قيمة الإيجار الشهري  بنسبة 10% لمدة 7 سنوات، ووضع حدا أدنى للأجرة 200 جنيه للوحدات السكنية ،و300 جنيه للوحدات الإدارية، وتحرير العقد الأصلي بعد مرور 50 عامًا على بدء العلاقة الأصلية منذ بدء استئجار الوحدة، وإضافة لحالات الإخلاء منها إغلاق الوحدات لمدة 3 سنوات لغير أغراض السفر أو مرور المدة ذاتها على استخراج ترخيص بناء جديد باسم المستأجر أو زوجته أو أولاده القُصّر، أو استفادته من الحصول على مسكن من برامج الإسكان التي تقدمها الدولة.

ويبقى السؤال هل تحل هذه التعديلات المقترحة أزمة قوانين الإيجار القديم التي تراكمت عبر قرنٍ من الزمن.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد