قناة السويس وتاريخ مصر

تعد قناة السويس بتاريخها النضالي الطويل الممتد إلى 150 عاما جزء لا يتجزأ من تاريخ مصر، وقد سطرت القناة في صفحات التاريخ المجيد حروبا ومعارك أهمها معارك السلام والتنمية والبناء على أرض القناة فبدماء وأرواح نحو 120 ألف شهيد مصري حفرت قناة السويس على مدى طيلة عشرة سنوات امتدت من أبريل من العام 1859، وحتى افتتاحها للملاحة الدولية في حفل مهيب على ضفاف سواحل القناة بمدينة الإسماعيلية في 17 نوفمبر من العام 1869 وخلال تلك السنوات العشرة تكبدت مصر بجانب دماء شهدائها الذين حفرا القناة بالسخرة ولقوا حتفهم جوعا وعطشا وفتكا بالأوبئة والطواعين  ما يقرب من 17 مليون جنيه مصري هي تكاليف حفر القناة وهو مبلغ عظيم من المال يعادل في الوقت الحالي ما يقرب من 170 مليون جنيه من الذهب.

قناة السويس

كيف تشتري تذكرة طيران رخيصة بالدولار

وقد كانت القناة عند افتتاحها بطول أجمالي 162 كيلومترا ونصف الكيلو مترا وبعمق 7 أمتار ونصف المتر وعرض52 مترا وعبرتها خلال العام الأول 140 سفينة ارتفع إلى 486 سفينة في العام الذي يليه، لم تكن قناة السويس الشريان الملاحي الحيوي هي الأولى التي تشهدها الأراضي المصرية بل لقد حفرت وردمت كثيرا على مر العصور ففي البداية كانت قناة الملك سنوسرت الثالث في عام 1887 قبل الميلاد ثم قام الفرس عقب قرون من إهمال تلك القناة وردمها بواسطة ملكهم / دار الأول /، بإعادة توصيل النيل بالبحيرات المرة وربطها بالبحر الأحمر بواسطة قنوات صغيرة ثم حفرها ملك الرومان / ترجان الأول /، وانشأ فرعا جديدا للنيل يبدأ من بابليون / القاهرة حاليا / لينتهي بالعباسة / بالإسماعيلية حاليا / وذلك في العام 100 قبل الميلاد.

سافر من جده إلى إسطنبول ب 715 ريال

ودب الإهمال بالقناة حتى ردمت كما بالسابق حتى جاء عمرو بن العاصي وأعاد حفرها من الفسطاط إلى القلزم / السويس حاليا / عام 642 ميلادية وسميت بقناة أمير المؤمنين، واستمرت هذه القناة تعمل لمدة 100 عام حتى أمر أبي جعفر المنصور بردمها منعا لأية إمدادات من جانب مصر إلى أهالي مكة والمدينة الثائرين ضد الحكم العباس، وأعادت الحملة الفرنسية محاولة حفرها مرة أخرى ولكن خطاء في حسابات المهندسين الفرنسيين أدى لأعتقاهم بعلو مياه البحر المتوسط عن نظيرة الأحمر مما سيؤدى لغرق دلتا مصر حال دون حفرها فألغى المشروع والذي رفضه وإلى مصر محمد على عقب توليه سدة الحكم حتى بعد أن اثبت المهندسون الفرنسيون إمكانية تنفيذها، وقال جملته الشهيرة / لا أريد بسفور في مصر / في إشارة منة إلى تعاظم نفوذ الإمبراطوريات العظمى بالدولة العثمانية الواهنة وقتئذ بحجة حماية قناة البسفور التي تم حفرها لتسهيل عمليات التجارة بين العثمانيين وباقي ممالك أوروبا.

 

وفي عهد الخديوي محمد سعيد باشا وإلى مصر وقع على شروط مجحفة تتحملها مصر لحفر القناة بجانب تحمل اغلب التكاليف ومن تلك الشروط المجحفة تحمل الحكومة المصرية لنسبة 75 بالمائة من العمالة اللازمة لحفر القناة، وتم الحصول عليها بالسخرة من القرى والنجوع بجانب إعطاء فردينان دليسبس، المهندس الفرنسي صديق سعيد وصاحب فكرة الحفر حق الاستغلال لمدة 99 عاما وفقا لفرمان الامتياز الموقع في العام 1854، وتأسست بموجبة الشركة العالمية لقناة السويس في عام 1858 براس مال 200 مليون فرنك فرنسي أي ما يوازى 7ملايين و700 ألف جنيه مصري في ذلك الوقت بأسهم بلغ عددها 400 ألف سهم من بينها 61 ألف سهم فقط نصيب الحكومة المصرية.

سافر من دبي إلى رومانيا ب 275 درهم فقط

وفي 25 أبريل من العام 1859 بدأت أعمال الحفر للقناة من مدينة الفرما / بورسعيد / حاليا بواسطة 20 ألف عامل مصر يتم تغيرهم شهريا، واستمرت أعمال الحفر وسط عذاب ومهانة للمصريين وكانت قمتها أثناء حفر منطقة الدفرسوار بالإسماعيلية والتي كانت أراضيها من الصعوبة بمكان في أعمال الحفر وفي أحد الليالي أستشهد أعداد ضخمة من العمال، عقب اكتساح مياه البحيرات المرة لأجسادهم في شكل شلالات متدفقة عقب محاولات إيصال مياه البحر المتوسط بالبحيرات وسميت تلك المنطقة بالدفرسوار وتعني بالفرنسية / الليلة السوداء / وتولى إسماعيل باشا الحكم، فطلب إلغاء السخرة ومطالب أخرى وافق عليها دليسبس عقب تعويض الشركة بما قيمته 28 مليون فرنك فرنسي واستمر العمل حتى تلاقت مياه البحرين في 18 أغسطس 1869 معلنة نشأة قناة السويس عقب 10 سنوات و4 اشهر من العمل استخرجت خلالها 74 مليون مترا مكعبا من الرمال.

 

وقد وفرت قناة السويس للخزانة المصرية منذ تأميمها وحتى الآن ما يزيد عن 50 مليارا من الدولارات وتم ضخ هذه الأموال في شرايين الاقتصاد المصري، في الوقت الذي لم تزد فيه إيراداتها منذ افتتاحها للملاحة الدولية وحتى تأميمها في العام 1956 عن مليارين و250 مليون دولار وبلغ نصيب مصر منها 15 مليون دولار فقط.

 

وعاما تلو الآخر نجحت مصر في إدارة قناة السويس وبكفاءة بالغة وطورت مجري القناة في مشروعات متتالية للتطوير والتعميق والتوسعة بتكلفة بلغت 40 مليون جنيه حتى العام 1961 وصلت معها غاطس القناة إلى 37 قدما واستمرت مراحل التطوير عقب انتصارات أكتوبر المجيدة ورفعت كميات من الرمال من قاع القناة وسطح الأرض بلغت 650  مليون مترا مكعبا، ولم تقف مراحل التطوير والتعميق طيلة تلك السنوات وحتى الآن لتصل بغاطس القناة الآن إلى عمق 62 قدما من المقرر أن تزداد لتصل إلى 66 قدما بنهاية العام القادم مع نهاية آخر مراحل التطوير والتي تعقبها دراسة مستفيضة للمرحلة المقبلة المقرر خلالها مضاعفة غاطس القناة ليصل إلى عمق 72 قدما، ومنذ تأميم القناة وحتى الآن تم ضخ نحو 45 مليار دولار من إيراداتها في شرايين الاقتصاد المصري بينما لم تتجاوز الإيرادات المحققة منذ افتتاحه وحتى تأميمها 2.5 مليار دولار فقط كان نصيب الحكومة المصرية منها 15 مليون جنيه فقط.

 

وارتفعت الإيرادات من 99 مليون دولار في عام 1975 إلى 356 مليون دولار في عام 1976 ليصل إلى 427 مليون دولار في عام 1978 ثم 578 مليون دولار في عام 1979 ليصل إلى 656 مليون دولار في عام 1980 حتى قفز ليبلغ 890 مليون دولار في عام 1981، وعقب أنتهاء أفتتاح المرحلة الأولى من التطوير في 16 ديسمبر من عام 1980، على الفور بدأت الهيئة في مرحلتها الثانية للتعميق للوصول بالغاطس إلى عمق 57 قدما بما يسمح بعبور السفن بحمولات صافية 260 ألف طن بجانب إنشاء شبكة للتحكم الإلكتروني بطول المجرى الملاحي للقناة لزيادة الأمان الملاحي للسفن العابرة بتكاليف 18 مليون دولار انتهى العمل في إنشائها في العام 1985 ، وطيلة الفترة الممتدة من عام 1985 وحتى العام الحالي قامت القناة بعدد من أعمال التوسعة والتعميق للمجرى الملاحي للقناة بشكل متتابع سنويا حتى وصلت بعمقه إلى 66 قدما ومساحة للقطاع المائي تقارب 48 ألف متر مربع ، وتهدف هيئة  خلال الأعوام الخمسة المقبلة إلى الوصول بغاطس القناة إلى عمق 72 قدما في مشروع طموح لتطوير القناة بما يسمح بعبور الحمولات الصافية للسفن حتى 370 ألف طن، للسفينة الواحدة وقد رصدت هيئة قناة السويس تكاليف مبدئية لتنفيذ تلك المرحلة من التطوير تقارب 3 مليارات دولار.

 


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد