“القفال 34” يبحر في دبي: أكثر من 100 سفينة و2000 بحار يجسدون ملحمة التراث البحري الإماراتي
في مشهد مهيب أعاد إحياء أمجاد الماضي البحري العريق لدولة الإمارات العربية المتحدة، انطلقت صباح يوم الجمعة الموافق 2 مايو 2025، فعاليات النسخة الرابعة والثلاثين من سباق القفال للمسافات الطويلة للسفن الشراعية المحلية التقليدية فئة 60 قدمًا. وشهدت مياه الخليج العربي قبالة جزيرة صير بونعير التاريخية تجمع أسطول كبير ضم أكثر من 100 سفينة شراعية تقليدية، وعلى متنها ما يزيد عن 2000 بحار ونوخذة (قبطان)، مستعدين لخوض غمار رحلة بحرية ملحمية تمتد لأكثر من 50 ميلًا بحريًا، وصولًا إلى خط النهاية المحدد قبالة شواطئ جميرا النابضة بالحياة في دبي. ويحظى هذا السباق السنوي الفريد، الذي ينظمه نادي دبي الدولي للرياضات البحرية ببراعة واقتدار، برعاية كريمة ودعم مستمر من سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، مما يعكس الأهمية الكبيرة التي توليها القيادة الرشيدة للحفاظ على الموروث الثقافي والتاريخي للدولة.
يعود تاريخ سباق القفال إلى عام 1991، حين أطلقه المغفور له بإذن الله الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، طيب الله ثراه، بفكرة سامية ورؤية ثاقبة تهدف إلى إحياء التراث البحري العريق لدولة الإمارات العربية المتحدة، وتخليد ذكرى رحلات الغوص الشاقة والطويلة بحثًا عن اللؤلؤ، التي شكلت عصب الحياة الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة لعقود طويلة قبل اكتشاف النفط. وكلمة “القفال” نفسها تحمل دلالة تاريخية عميقة، حيث تشير إلى رحلة العودة المظفرة للغواصين والبحارة إلى ديارهم وأهليهم بعد انتهاء موسم الغوص الطويل والمحفوف بالمخاطر والتحديات.
ومع مرور السنوات، وتحديدًا على مدى ثلاثة وثلاثين عامًا، تحول السباق من مجرد منافسة رياضية بحرية إلى تظاهرة ثقافية وتراثية كبرى، ينتظرها الملاك والنواخذة والبحارة والمتابعون والمهتمون بالتراث بشغف كبير كل عام. لقد أصبح سباق القفال بمثابة احتفالية وطنية سنوية تعزز الارتباط بالماضي المجيد، وتبرز جماليات وقيم الموروث البحري الإماراتي الأصيل، وتنقل هذا الإرث الغني إلى الأجيال الجديدة. وقد شهدت النسخ الـ 33 السابقة تتويج 19 بطلًا مختلفًا، مما يعكس حدة المنافسة وتقارب مستوى المشاركين وشعبية الحدث المتزايدة.
تميزت النسخة الرابعة والثلاثون بمشاركة واسعة وكبيرة، حيث سجلت 118 سفينة أسماءها رسميًا للمشاركة، وانطلق أكثر من 100 منها فعليًا في السباق عند رفع العلم الأخضر، حاملة على متنها طواقم كبيرة من البحارة الإماراتيين المخضرمين والشباب يتجاوز عددهم الإجمالي الألفين بحار.
وتنافست هذه السفن التقليدية الجميلة، المصممة خصيصًا والمصنوعة محليًا لفئة 60 قدمًا، عبر مسار السباق الطويل والصعب الذي يبدأ من جزيرة صير بونعير، ذات الأهمية التاريخية والبيئية، ويمر في مرحلته الأولى قبالة جزيرة القمر، قبل أن يتجه الأسطول نحو خط النهاية المحدد في شواطئ جميرا بمنطقة أم سقيم في دبي، بالقرب من فندق برج العرب الأيقوني.
وقد سبقت انطلاق السباق استعدادات لوجستية وتنظيمية مكثفة ومتقنة من قبل نادي دبي الدولي للرياضات البحرية واللجنة المنظمة، حيث انتقلت قافلة النادي، بما في ذلك سفن التحكم والسيطرة والتحكيم والمركز الطبي المتنقل وفرق الإنقاذ البحري والتغطية الإعلامية، إلى جزيرة صير بونعير قبل أيام من الحدث لتهيئة كافة الظروف لإنجاحه. كما تم توزيع أجهزة التتبع عبر الأقمار الصناعية على جميع السفن المشاركة لضمان متابعة مسارها وسلامتها، وإجراء الفحوصات الفنية اللازمة للتأكد من مطابقة السفن للمواصفات الفنية المعتمدة، والتأكد من استيفاء كافة متطلبات السلامة والأمن البحري لجميع المشاركين.
أكد المسؤولون في اللجنة العليا المنظمة للسباق، وعلى رأسهم سعادة أحمد سعيد بن مسحار، رئيس مجلس إدارة نادي دبي الدولي للرياضات البحرية، على الأهمية القصوى التي يوليها النادي واللجنة المنظمة لمعايير السلامة والأمن لجميع المشاركين، مشيدين بالدعم الكبير واللامحدود الذي يحظى به الحدث من القيادة الرشيدة، والذي يمثل الدافع الأكبر والحافز الرئيسي لاستمرار نجاح هذه التظاهرة التراثية البارزة عامًا بعد عام. كما أعرب أعضاء اللجنة المنظمة، مثل محمد عبدالله حارب الفلاحي المدير التنفيذي للنادي، ومحمد السويدي وخالد خميس بن دسمال وهزيم القمزي، عن تمنياتهم بالتوفيق لجميع المشاركين، مؤكدين على أهمية التعاون والتنسيق بين جميع الأطراف المعنية لإنجاح الحدث، ورسم لوحة زاهية تعكس روعة وجمال التراث البحري الإماراتي عندما ترتفع مئات الأشرعة البيضاء في مياه الخليج الزرقاء. من جانبهم، عبر النواخذة المشاركون عن حماسهم الكبير وجاهزيتهم التامة لخوض هذا التحدي الخاص والصعب، الذي يتطلب مهارة وخبرة وصبر وقوة تحمل. ومن بين هؤلاء نوخذة السفينة “حشيم 199″، حسن عبدالله المرزوقي، حامل لقب النسختين الماضيتين (القفال 32 و33)، الذي أكد تطلع فريقه لتكرار الإنجاز والفوز باللقب للمرة الثالثة على التوالي، وهو إنجاز لم يتحقق كثيرًا في تاريخ السباق.