أزمة تمويل تهدد صحة اللاجئين السودانيين بمصر ومبادرات أهلية تقدم بصيص أمل

 يواجه مئات الآلاف من اللاجئين السودانيين، الذين فروا إلى مصر هربًا من الصراع المدمر في بلادهم، أزمة صحية متفاقمة تهدد حياتهم، إثر قرار المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) تعليق معظم دعمها الطبي بسبب نقص حاد في التمويل. هذا التطور المقلق، الذي دخل حيز التنفيذ مؤخرًا، يضع عبئًا هائلًا على كاهل اللاجئين ويترك عشرات الآلاف من المرضى، خاصة ذوي الحالات المزمنة والخطيرة، في مواجهة مصير غامض، بينما تبرز مبادرات أهلية وبرامج جديدة كمحاولات لسد هذه الفجوة الحرجة.

تستضيف مصر حاليًا ما يقدر بنحو 500 ألف لاجئ سوداني وصلوا منذ اندلاع النزاع في أبريل 2023، وفقًا لأرقام المفوضية، لينضموا إلى أعداد كبيرة كانت تقيم في البلاد بالفعل. فرّ الكثيرون منهم ليس فقط من العنف، بل أيضًا من نظام صحي منهار في السودان، حاملين معهم أمراضهم المزمنة وإصابات الحرب بحثًا عن رعاية لم تعد متاحة في وطنهم. وكانت المفوضية تقدم دعمًا حيويًا، لكن أزمة التمويل أجبرتها على تقليص خدماتها بشكل كبير، لتقتصر حاليًا على الحالات الطارئة المنقذة للحياة فقط. يؤثر هذا القرار بشكل مباشر، بحسب المفوضية، على ما لا يقل عن 20 ألف مريض مسجل لديها كانوا يعتمدون على هذا الدعم لتغطية تكاليف علاجات باهظة وحيوية، مثل جراحات السرطان والعلاج الكيميائي، وجراحات القلب المعقدة، بالإضافة إلى توفير أدوية أساسية لأمراض مزمنة منتشرة كالسكري وارتفاع ضغط الدم وغسيل الكلى. قصص المعاناة الفردية، مثل قصة عبد العظيم محمد الذي يحتاج علاجًا مستمرًا للقلب، ومها عوض الكريم التي تواجه تحديات صحية متعددة، تجسد حجم المأساة الإنسانية التي خلفها هذا النقص في التمويل.

وتتجاوز التحديات مجرد نقص دعم المفوضية. فبينما يسمح القانون المصري بمعاملة السودانيين كالمصريين في المستشفيات الحكومية من حيث المبدأ، يظل الوصول الفعلي للخدمات، خاصة المعقدة والمكلفة منها، محفوفًا بالصعوبات. قد يتطلب الأمر إجراءات معقدة مثل الحصول على قرار علاج على نفقة الدولة أو التسجيل في التأمين الصحي، وهي مسارات قد لا تكون متاحة بسهولة للاجئين الذين يفتقرون للوثائق أو الاستقرار. كما أن النظام الصحي المصري نفسه يعمل تحت ضغط كبير، مما قد يؤدي إلى طول فترات الانتظار وصعوبة استيعاب الأعداد المتزايدة من اللاجئين. أما المستشفيات والعيادات الخاصة، فتبقى تكاليفها الباهظة خارج متناول الغالبية العظمى من اللاجئين، الذين يعانون أصلًا من ظروف اقتصادية قاسية وفقدوا سبل عيشهم. وتضاف إلى ذلك عوائق أخرى، مثل محدودية الوعي بالخدمات المتاحة، وصعوبة الموازنة بين البحث عن عمل وتلبية الاحتياجات الصحية، فضلًا عن المشاكل اللوجستية والمالية المتعلقة بالانتقال وتكاليف الأدوية والفحوصات. وتزداد الأوضاع تعقيدًا في المناطق الحدودية كمدينة أسوان، التي تستقبل أعدادًا كبيرة من الوافدين الجدد، حيث تظهر تحديات إضافية تتعلق بارتفاع التكاليف المحتمل على غير المصريين بسبب إصلاحات صحية محلية، وظهور أمراض معدية تحتاج لرعاية خاصة، بالإضافة إلى تقارير مقلقة عن صعوبات يواجهها اللاجئون في استكمال علاجهم بالمستشفيات العامة.

أزمة التمويل تحرم آلاف اللاجئين بمصر من العلاج | سياسة | الجزيرة نت

وسط هذه الصورة القاتمة، تبرز جهود ومبادرات تسعى لتخفيف العبء. من أبرزها برنامج “عافية” الذي أطلقته مؤخرًا السفارة السودانية بالقاهرة بالتعاون مع القطاع الخاص ممثلًا بشركة أكسون للخدمات الطبية. يهدف البرنامج إلى تزويد المواطنين السودانيين في مصر ببطاقات خصم تتيح لهم الحصول على خدمات طبية (كشوفات، فحوصات، عمليات) بأسعار مخفضة قد تصل إلى 70% في شبكة واسعة تضم أكثر من 3500 مستشفى وعيادة وصيدلية ومعمل تحاليل في مختلف المحافظات المصرية. كما يوفر البرنامج خدمات إضافية كالاستشارات الطبية عن بعد وخدمات العلاج المنزلي، مما قد يمثل حلًا جزئيًا مهمًا، خاصة للطبقة الوسطى القادرة على تحمل التكاليف المخفضة. وإلى جانب هذه المبادرة الرسمية-الخاصة، تلعب الجمعيات الأهلية والمبادرات المجتمعية المصرية والسودانية دورًا حيويًا لا غنى عنه، حيث تقدم العديد منها خدمات صحية مجانية أو بأسعار رمزية، وتنظم قوافل طبية، وتوفر الأدوية، وتربط الحالات الأكثر احتياجًا بالجهات المانحة والمتبرعين، خاصة في معالجة الحالات المكلفة والمعقدة. ولا يمكن إغفال جهود وزارة الصحة المصرية المستمرة في تقديم الدعم الطبي عند نقاط الدخول الحدودية ورفع حالة الاستعداد في المستشفيات، والدعم المقدم من منظمات دولية أخرى كمنظمة الصحة العالمية.

إن أزمة تمويل المفوضية تسلط الضوء بشكل مؤلم على هشاشة الاعتماد شبه الكلي على المساعدات الدولية المتقلبة لتوفير احتياجات أساسية للاجئين كالصحة. وتؤكد هذه الأزمة الحاجة الماسة لإيجاد حلول أكثر استدامة وابتكارًا، قد تشمل استكشاف آليات لدمج اللاجئين بشكل أفضل في الأنظمة الصحية الوطنية للدول المضيفة، وتطوير نماذج تمويل مختلطة ومستقرة تجمع بين الدعم الدولي والمساهمات الخاصة ومبادرات التكافل المجتمعي. فصعوبة الوصول إلى الرعاية الصحية لا تمثل فقط مشكلة صحية، بل هي عائق كبير أمام قدرة اللاجئين على التعافي وإعادة بناء حياتهم والمساهمة الإيجابية في المجتمعات التي تستضيفهم.


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد


جميع المحتويات المنشورة على موقع نجوم مصرية تمثل آراء المؤلفين فقط ولا تعكس بأي شكل من الأشكال آراء شركة نجوم مصرية® لإدارة المحتوى الإلكتروني، يجوز إعادة إنتاج هذه المواد أو نشرها أو توزيعها أو ترجمتها شرط الإشارة المرجعية، بموجب رخصة المشاع الإبداعي 4.0 الدولية. حقوق النشر © 2009-2025 لشركة نجوم مصرية®،جميع الحقوق محفوظة.